ورقة الأسرى
ماذا لو قتلت حركة حماس الأسرى الإسرائيليين لديها؟.. هل سيفتح جيش الاحتلال أبواب الجحيم في غزة؟ الإجابة ببساطة.. وهل هناك جحيم أقسى وأبشع مما يقترفه جيش الاحتلال حاليا في القطاع باعتراف العالم ومنظماته الدولية الشرعية، التي صنفت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت وجنودهما، مجرمي حرب، وطالبت بالقبض عليهم ومحاكمتهم، لهول ما اقترفت أيديهم، ثم وهذا هو الأهم، وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟ كما تقول الحكمة، فالقطاع أصبح أطلالا، وشوارعه تحولت إلى سرادق عزاء منصوب ليل نهار لوداع الشهداء، ومن ثم فربما يكون التخلص من الأسرى بداية الحل، والمرحلة الأخيرة في إسكات مدافع وصواريخ جيش الاحتلال، التي لا تتوقف، بعد أن يتجاوز الإسرائيليون الصدمة.
لن يخسر الفلسطينيون شيئًا جديدًا، إذن أطرح السؤال بصيغة مختلفة: ماذا لو أفرجت حماس عن الأسرى؟ هل تنطفئ نار جهنم التي أشعلها الجيش الإسرائيلي في غزة؟
الإجابة لا أيضا، فعملية طوفان الأقصى هزت إسرائيل، وكانت بمثابة زلزال مدمر هدد فكرة وجودها كملاذ لليهود، ومن ثم فمسألة أمن دولة الكيان وضمان عدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر، تعلو على ما عداها، حتى ولو كانت حياة الأسرى، وبعضهم قتلتهم مدافع وصواريخ جيش الاحتلال بالخطأ بالفعل في حربها على غزة، رغم علم نتنياهو المسبق باحتمال هلاكهم.
نتنياهو لن يتنازل عن تسليم سلاح حماس، والقضاء على عناصرها، والقضية بالنسبة له محسومة، وليس كما يحاول البعض تصوير الأمر على أن المتطرفين في حكومته وعلى رأسهم وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، هما من يعارضان وقف الحرب أوالذهاب إلى صفقة ويهددان بالانسحاب من حكومته وإسقاط ائتلافه الحاكم.
أضف إلى ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أهمية بقاء الأسرى على قيد الحياة بالنسبة لحماس، لضمان استخدامهم كورقة في المفاوضات الجارية.
لكن هل هذه الورقة لا زالت مجدية؟ وهل يمكن للحركة المناورة بها؟ قراءة المشهد تؤكد عكس ذلك، فلا خفف نتنياهو جرائمه ولا أوقف المذبحة التي نصبها للفلسطينيين منذ عملية طوفان الأقصى، بل العكس صحيح يزداد هو وجنوده شراسه يومًا بعد الآخر، خاصة مع نجاح المقاومة في نصب الكمائن لجيش الاحتلال وتكبيده خسائر فادحة من حين لآخر.
لماذا تصر حماس عليها إذن؟ لأنها في تقديري لا تملك غيرها، ولأن العملية العسكرية الإسرائيلية حققت أغراضها المباشرة، وبدأ الصراع يأخذ شكلا آخر، دخل على أثره الطرفان حرب فرض إرادات، كل منهم يريد أن يخرج منتصرا من معركة التفاوض، فنتنياهو يعتبر حماس حركة إرهابية ولا يجوز لها الانتصار على إسرائيل الدولة، في حين أن حماس تعتبر تلبية شروطها يحسم هذه المعركة التي خسرت فيها رموزها وقادتها لصالحها، هي تقريبا المكسب الوحيد الذي يمكن أن تفوز به، خاصة وأن مطالبها، أصبحت متواضعة، قياسًا بالجرائم التي اقترفها جيش الاحتلال، وعدد المعتقلين الفلسطينيين الذين تشترط إطلاق سراحهم، على سبيل المثال اعتقل جيش الاحتلال أضعافه خلال هذه الحرب، كما أن الحركة تنازلت عن كثير من مطالبها ووافقت على تعديلات إسرائيل على كل الصفقات التي طرحها الوسطاء لإنهاء الحرب، لكن حكومة نتنياهو رفضتها في النهاية، كي لا تمنحها فوزًا حتى ولو شكلي.
الإسرائيليون لم يتجاوزوا بعد أحداث السابع من أكتوبر، التي أصابتهم على ما يبدو بعقدة استقرت في عقلهم الباطن لن يبرأوا منها، وهو ما يجعل قضية الأسرى لا تتصدر أهداف نتنياهو وحكومته من هذه المعركة رغم أهميتها.


