الوعي الرقمي والأمن السيبراني.. معركة بقاء في زمن المعلومة
لم يعد الأمن القومي اليوم مقصورًا على حدود تُحمى أو جيوش تُجهّز بالسلاح بل أصبح معلومة تُسرّب أو بيانات تُسرق، نحن نعيش في عالم تحوّل فيه الهاتف المحمول إلى خزينة أسرار، وأصبحت حساباتنا على مواقع التواصل وسيلة للتأثير علينا أكثر من أي وسيلة تقليدية، في هذا العالم المفتوح لم يعد المواطن بعيدًا عن المعركة، بل أصبح هو خط الدفاع الأول.
الأخطار التي تهددنا لم تعد خيالًا، بل واقع يعيشه كثيرون كل يوم هناك من يفقد حسابه البنكي أو تُسرق بياناته الشخصية بسبب غلطة صغيرة في كلمة مرور، هناك من يقع ضحية لابتزاز إلكتروني لأن صورة خاصة تسربت أو محادثة استغلها ضعاف النفوس، وهناك من يشارك خبرًا كاذبًا دون أن يدرك أنه ساهم في نشر شائعة قد تثير بلبلة أو تهدم ثقة الناس في مؤسساتهم الأخطر أن هذه التهديدات أصبحت سلاحًا في يد من يتقنون حروب الجيل الرابع والخامس، حيث المعلومة الكاذبة قد تصيب مجتمعًا بالارتباك أسرع مما قد تفعله قنبلة.
في مواجهة هذه الأخطار لا يكفي أن نعتمد على الدولة أو على التكنولوجيا وحدها المطلوب قبل كل شيء هو الوعي، وعي المواطن العادي حين يقرر ألا يضغط على رابط مجهول وألا يمنح بياناته لأي جهة غير موثوقة، وألا يشارك صورة أو رأيًا يمكن أن يستغل ضده، وعي الأسرة وهي تربي أبناءها على الاستخدام الآمن للإنترنت منذ الصغر، وعي المجتمع وهو يواجه الشائعة بالنقد والتحقق بدلًا من أن يكون مجرد ناقل أعمى للمعلومات.
الدولة المصرية تخطو خطوات جادة في بناء بنية تحتية رقمية قوية، وتسن قوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وتنشئ وحدات لمتابعة ورصد ما يُنشر على منصات التواصل، لكن هذه الجهود لن تحقق أهدافها إن لم يُحصّن المواطن نفسه بالوعي الرقمي، لأن التكنولوجيا مهما كانت متطورة تظل عاجزة أمام غياب العقل الواعي.
إن الأمن السيبراني ليس مسألة تقنية فحسب، بل هو مسألة وعي وثقافة، المعلومة الخاطئة قد تفتك بالوطن كما يفتك السلاح والصورة المسروقة قد تدمر حياة إنسان كما تفعل الرصاصة، من هنا ندرك أن معركة الأمن السيبراني هي في جوهرها معركة وعي.
فلنجعل من وعينا الرقمي درعًا نحمي به أنفسنا وأبناءنا ولنتعامل مع الإنترنت بما يليق بخطورته، لأن المستقبل لن يُحمى إلا بعقول مواطنيه.


