من شيرين أبو عاقلة إلى أنس الشريف.. صحفي إسرائيلي: إسرائيل انتقلت من الإنكار إلى التباهي بقتل الصحفيين بغزة
انتقد صحفي إسرائيلي في مقال رأي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يصف نفسه بـ الأكثر أخلاقية في العالم، في الوقت الذي اغتالت فيه آلة القتل الإسرائيلية ما لا يقل عن 248 صحفيًا في غزة، دون إظهار أي شعور بالخجل.
اغتيال الصحفيين في غزة
وفي سبتمبر 2022، نشرت قوات الاحتلال نتائج تحقيق داخلي بشأن مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة في جنين بعد أربعة أشهر من استشهادها، التقرير قال إن هناك احتمالا كبيرا أن أبو عاقلة أصيبت بنيران إسرائيلية، أُطلقت باتجاه مسلحين فلسطينيين، وأرفق ذلك بتقديم أحر التعازي، مؤكدًا أن حرية الصحافة وسلامة الصحفيين من ركائز الديمقراطية الإسرائيلية.
لكن تلك الرواية لم تكن متسقة مع الحقائق، فهناك عدة تحقيقات مستقلة، أثبتت أن أبو عاقلة قُتلت برصاص جنود إسرائيليين، فيما خلصت صحيفة نيويورك تايمز بعد معاينة مسرح الجريمة إلى أنه لم يكن هناك مسلحون فلسطينيون قربها لحظة إطلاق النار.
كما كشف تقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين بعد عام أنه لم تُوجَّه أي اتهامات لأي جندي إسرائيلي في مقتل 20 صحفيًا، 18 منهم فلسطينيون في الضفة وغزة بين 2001 و2023، مما جعل حديث الجيش عن التزامه بحرية الصحافة بلا معنى فعلي.
اليوم، لم يعد هناك حتى حرص على هذه الأكاذيب البيضاء، ففي مطلع أغسطس، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي بفخر أن صواريخه استهدفت الصحفي في قناة الجزيرة أنس الشريف في مدينة غزة، بينما لم يحاول الادعاء بأنها جاءت عن طريق الخطأ، بل أكد أنه كان الهدف، أما خمسة صحفيين آخرين استشهدوا أثناء نومهم في خيمة قربه، دون اتهام لهم بالانتماء إلى حماس، فتم اعتبارهم مجرد أضرار جانبية.
وإذا كان هذا التبرير الهش يبدو وكأنه مبرر، فإن ما جرى في قصف مستشفى ناصر في خان يونس كان أبعد من ذلك، وأسفر القصف عن مقتل ما لا يقل عن 20 فلسطينيا بينهم خمسة صحفيين، ليرتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا في غزة منذ بداية الحرب إلى أكثر من 248، وفق الأمم المتحدة.
هذه المرة لم يكن الهدف عنصرا في حماس، بل كاميرا، الكاميرا التي كان موقعها معروفا، إذ دأب الصحفيون على استخدامها لبث مباشر من خان يونس، أصبحت هدفًا لقذائف دبابات إسرائيلية، إذا كان الجيش قبل ثلاثة أعوام يشعر بالحرج عند مقتل صحفي، فإن الأمر بات اليوم اعتياديًا.
هذا الانعدام للخجل أصبح سمة بارزة في حرب إسرائيل على غزة، الالتزام بالقانون الدولي كان دومًا إشكاليًا، لكن كما أظهر مقتل أبو عاقلة، كانت هناك محاولة للاحتفاظ بمظهر احترامه، جيش الاحتلال كان يسعى لإقناع المجتمع الدولي، وربما نفسه، بأنه الأكثر أخلاقية في العالم، لكن ذلك التظاهر تراجع كثيرًا منذ ذلك الحين.
وتابع الصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت، الصحفي بمجلة +972، مشيرا إلى أن هجوم 7 أكتوبر 2023 اعتُبر في إسرائيل مبررًا لأي رد، مهما كان غير قانوني أو غير أخلاقي، كما أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين يرون أنه لا يوجد أبرياء في غزة، بما في ذلك الصحفيون الفلسطينيون الذين يُنظر إليهم على أنهم مجرد دعاة لحماس.
كما لعب صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والسياسيين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في حكومة بنيامين نتنياهو دورا محوريا في هذا التحول، فقد ظهر ذلك بوضوح في مشروع إصلاح القضاء الذي كان يهدف إلى إضعاف مؤسسات الديمقراطية الهشة أصلًا، ثم جاءت الحرب لتسرّع هذا النهج.
وهناك أيضًا عنصر آخر بالغ الأهمية، حين قُتلت شيرين أبو عاقلة عام 2022، كان جو بايدن في البيت الأبيض، وكانت تحمل الجنسية الأمريكية، فشعرت إسرائيل بأنها مضطرة لإظهار بعض الاحترام للقانون الدولي، أما اليوم، ومع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، لم تعد هناك أي ضغوط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي، بل تبدو وكأنها مدفوعة لإظهار تحديها له.
واختتم المقال: ففي مناخ سياسي عنوانه ازدراء القوانين والمؤسسات الدولية، يسعى نتنياهو وحكومته لإثبات أنهم قادرون على الذهاب أبعد، وأن إسرائيل تستطيع أن تكون نموذجًا لنظام عالمي جديد قائم على القوة وحدها، حيث أن قصف الكاميرا في خان يونس ليس إلا تجسيدًا لهذا النظام الجديد.


