الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

سينما الموت.. المشهد الأخير | قصة

الثلاثاء 09/سبتمبر/2025 - 03:59 م

اقرأ اقرأ سينما النزاهة خالية من النزاهة.. حديث الساعة الجشع هو الجاني والحب هو الضحية.. غسيل الأموال واتساخ الضمائر أين قيمة الإنسان؟

ضجت شوارع القاهرة بأصوات بائعي الجرائد، وهم يعلنون عن عناوين الأخبار، وتوافد العجائز وكبار السن لشراء عدد اليوم، وأخذ الشباب يقلبون في هواتفهم عن حادث أمس، الذي صدم الناس جميعا لبشاعته وعدد الضحايا والمصابين حتى تحول إلى رأي عام، وجاء في الأخبار، ما يلي:

فُجعت القاهرة في تمام الساعة 2 من مساء أمس الثلاثاء الموافق 3 يناير، بانهيار مبنى سينما النزاهة، الذي أودى بحياة 11 شخصًا من بينهم 5 عمال و3 عاملات وطفلين، وإصابة 8 آخرين وهم 3 عمال و3 عاملات و2 من المارة وهما زوجان، كانا يسيران بالقرب من دار العرض، وذلك بشارع الحياة المتفرع من ميدان النهاية بمنطقة وسط البلد.

توافدت سيارات الإسعاف في غضون 20 دقيقة وتبعتها سيارات الشرطة، التي باشرت التحقيق في الحادث على الفور، ونقلت الإسعاف المصابين إلى مستشفى صيدناوي التخصصي، لمعالجتهم، وتم التحفظ على جثامين الضحايا حتى يتسلمهم ذووهم بعد التعرف عليهم.

وتعود أسباب انهيار السينما، إلى إهمال مالكيها وتواطؤ رئاسة الحي معهم في صفقة فساد، حيث تغاضى مالكو السينما عن قرار الإزالة الذي صدر في حق المبنى، خاصةً وأنهم لم يجددوه بسبب كلفة أمر كهذا، فحسب ما سيأتي لاحقًا على لسان أحد العاملين بالسينما، فهم يوظفون الأفلام «الهابطة» التي تحتوي على مشاهد لا تناسب الذوق العام، من أجل جذب أكبر شريحة من المتفرجين.

لحظة الانهيار

جلس يبكي وهو يحمل رأسها بين ذراعيه، ودموعه تختلط بدمائها التي انسابت من كل جسدها، وفرق الإنقاذ تكالبت عليه من أجل أن يتركها لكنه لم يفعل ذلك أبدا، وكلما جذبوه اشتد ضمه لها، حتى حقنه طبيب معالج بحقنة مهدئة، أسقطته على الأرض مباشرة، ونقل بعدها مع بقية المصابين إلى المستشفى.

بعد يومين من الحادث، قابلت سارة أسعد الصحفية بجريدة الانتصار التي تابعت القضية عن كثب وحذرت في كثير من تحقيقاتها ومقالاتها من أصحاب هذه السينما، هذا العامل واسمه (ب.ش)، يعمل في السينما منذ ثلاث سنوات، بعد أن فقد عمله السابق بسبب وباء كورونا، وبعد أن تنهد (ب.ش)، ووافق على إجراء الحوار، قائلا: إن هذا هو أقل عقاب لي على ما مضى.

نص الحوار كما جاء في جريدة الانتصار العدد رقم 2111 الموافق يوم الخميس 2023

س: حدثنا عن ملابسات الحادث كيف بدأ؟ وكيف نجا بعضكم والآخر لم ينجُ؟

ج: الحقيقة إن هذا قدر الله ولا يد لنا فيه، بل إن بعضنا نجا من إصابات خطيرة والآخرون ماتوا من أقل ضرر، الأعمار بيد الله.

س: هل تعرف جميع الضحايا معرفةً جيدة؟، أو تجمعك بهم صلة قوية؟

ج: كلهم أصدقائي ومنهم فتاة كنت قد اتفقت معها ومع أهلها على أن أتقدم لخطبتها، ولكن للأسف ذهبت معهم، ففتاة بهذه البراءة لم تكن تستحق شخصًا مدنسًا مثلي.

س: هل هي الفتاة التي كنت تحتضنها بذراعيك وتبكي، كما نقل عن حالتك؟

ج: نعم - قالها ووجهه خالٍ من الدماء تماما، وعيناه تجاهد الدموع لكي لا تفضح أمره.

س: لماذا وصفت نفسك بالمُدنس ووصفتها بالبراءة؟

ج: الأمر ببساطة شديدة أنني كنت أصمت عن فساد مالكي السينما بل كنت أحيانًا أساهم في إدخال المواد الفلمية الممنوعة داخل دور العرض، والتي يتوافد مَن هم في سنِّ المراهقة لمشاهدتها، وذلك خوفًا من أن أطرد، لكن هي كانت دائمًا الأقل فينا نصيبًا لأنها كانت ترفض المشاركة في أي عمل، وكانت تطمح في أن تترك هذا العمل، خاصةً وقد تكشف لها حقيقة المكان.

س: منذ متى كانت تعمل؟

ج: منذ 7 أشهر.

س: هل كان هذا الوقت كافيًا لكي تتعرفا على بعضكما البعض؟

ج: في الحقيقة كنا نعمل في قسم المأكولات، وتشابهت أحوالنا الاجتماعية والمادية بل وتخصصاتنا، فكلانا تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ، وقد أخذت علاقتنا في النمو سريعًا حتى اتفقنا على الخطبة، على أن أذهب إلى منزلها لمقابلة أهلها، لكن الموت قضى أن يفرقنا عن بعضنا البعض، فهي في نعيم السماء، وأنا في جحيم الأرض.

س: بكاؤك الهستيري وأنت تحمل جثمانها، تداولته مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات القومية والخاصة، بماذا كنت تحس في هذه اللحظة؟

ج: حينما أفقت من غيبوبتي القصيرة، جراء اصطدام رأسي بالحائط، وجدتها ملقاةً على الأرض والدماء تغطي معظم وجهها، فهرعت إليها أجر قدمي المصابة، وأخذت في هزِّ جسدها لكنها لم تجب، تحسست نبضها، فوجدته متوقفًا، فما كان مني إلا أن صرخت باسمها وأنا أبكي بحرقة وأضم جسدها النحيل بين يدي، لم أصدق؟! ففي خلال دقائق من الحادث فقدتها هي وأعز أصدقائي، الموت لم يكن ظالما، بل كان نزيها في قراره، بينما أنا قد ظلمت نفسي، واستحق كل ما جرى لي.

س: لماذا تعتبر نفسك شريكًا فيما حدث بالرغم أنك قانونًا لم تكن إلا أداة تنفذ أمر مديرها كما في بعض المؤسسات التي تخدع موظفيها وعمالها؟

ج: لأنني كنت جبانًا ولم أُصعِّد هذه التجاوزات والتعديات إلى الجهات المختصة، من أجل أن يأخذ القانون مجراه، لكن خشيت من مديري في العمل، وخفت أن ينقطع عني مصدر عيشي، فلا أجد سبيلًا آخر أجني منه مالًا.

س: هل مالك السينما ذاك، استعمل الرشاوى لتجاوز القانون؟

ج: نعم فهو لا يسير أمرًا في حياته إلا بهذه الطريقة.

س: هل أنت مستعد لكي تشهد ضده حتى وإن تعرضت للمساءلة القانونية؟

ج: أجل مستعد، ولا يهمني شيء فبعد أن فقدت حبيبتي وعملي، لم أعد أخشى شيئًا، إلا مساءلة السماء.

بعد عدة أشهر

حكم على (ب.ش) بالسجن 5 سنوات، وتم الحكم على مالك السينما بالإعدام، وحكم على بقية شركائه بالسجن المؤبد. وخلال وجوده في زنزانته، غفى قليلا فتمثلت له في الحلم وهي تطوق رقبته وتطبع قبلة على خده، قائلة: ألم تشتاق إليّ؟ ليجيبها والدموع تترقرق في عينيه: بلى يا عزيزتي. لتبتسم نصف ابتسامة قائلة: إذًا لماذا لا تأتي معي؟

- حقا، هل أستحق أن أكون معكِ
- النعيم بدونك لن يكتمل، هيا يا عزيزي، لا أحتمل الانتظار أكثر من ذلك.

أمسكت بيده لكي يقوم من موضعه، ثم سحبته بتؤدة نحو نهاية تشع ضوءا ذكره بالغروب، أخذا يسيران حتى التهمهما الضوء واختفيا.

سقط مرتطمًا بأرض الزنزانة دون أن يصدر أي صوت، نظر النزلاء إليه، وأخذوا في هزّه وتحريكه دون جدوى، إلى أن صرخوا جميعا طالبين نقله إلى المستشفى، غير أن أحدهم صرخ باكيا: إنها النهاية لقد مات، الآن صار حرا من كل السجون.

تابع مواقعنا