شو رقابي.. أغلب أدوات البرلمان خارج الخدمة بدور الانعقاد الخامس
2647 أداة رقابية في 9 أشهر أغلبها دون توصيات منفذة
القاهرة 24 يتتبع تحوّل أغلب أدوات النواب الرقابية إلى دعاية بلا أثر ملموس
في الساعات التي تلت حريق سنترال رمسيس، غطت الشاشات دخانًا كثيفًا وعناوين أكثر كثافة، والنواب يسرعون بإرسال بيانتهم للصحفيين، مؤكدين تقدمهم بأدوات رقابية بشأن الحادثة، تنوعت ما بين طلبات إحاطة، وبيانات عاجلة، واقتراحات برغبة، والبرلمان بدوره يستدعي الوزير، لكن بعد أسابيع من الحادثة وحتى كتابة هذه السطور، ظلّ السؤال معلّقًا: ماذا تغيّر؟ لا تقارير متابعة منشورة من مقدمي الأدوات الرقابية أو اللجنة البرلمانية المختصة، ولا جدول زمني مُعلن لتنفيذ توصيات السلامة.
وبينما تكررت الصياغات الصحفية ذاتها في أزمات أخرى مثل نقص الأدوية، عجز الأطباء وهجرتهم، ظل الأثر الرقابي للنواب متراجًعًا لصالح النشاط الدعائي، لذلك فهذا التحقيق يتتبّع الفجوة بين بيانات النواب ونتائج الأدوات البرلمانية، بالأرقام والشهادات، خلال دور الانعقاد الأخير والذي انتهى في 8 يوليو 2025 ليجيب: هل صارت الأدوات البرلمانية مانشيتًا عابرًا أكثر منها أدوات فاعلة؟
أرقام هام
قبل ذلك، ووفقًا لحصاد مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس، فقد بلغت عدد الجلسات العامة لمجلس النواب 62 جلسة، بإجمالي 220 ساعة عمل برلماني، بينما اللجان النوعية ناقشت 2647 أداة رقابية، وعقدت 3020 اجتماعًا بنحو 3260 ساعة عمل، خلال 9 أشهر و7 أيام عمل المجلس بدور الانعقاد الخامس، والذي بدأ مطلع أكتوبر من العام الماضي.
النائب المُعارض إيهاب منصور: نصف أدواتي البرلمانية بلا جدوى والحكومة هي المسؤولة
من جانبه، قال النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي، أحد الأحزاب المعارضة، إن تقييم دور النائب لا يقاس فقط بعدد الأدوات الرقابية التي يقدمها، وإنما بقدرتها على إحداث أثر ملموس على أرض الواقع، مشيرًا إلى أنه قدم خلال المجلس الحالي 25 طلب إحاطة و29 سؤالًا و3 بيانات عاجلة، ومقترحان بقانون، واقتراح برغبة، إضافة إلى عشرات المتابعات.

وأوضح منصور في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، أن بعض أدواته أثمرت نتائج مهمة، أبرزها اقتراح برغبة تم مناقشته والموافقة عليه ويتعلق بكوبري في العمرانية، مؤكدًا أن لديه أكثر من 30 استجابة مباشرة على طلباته، وهو ما يعكس جودة استخدام الأدوات الرقابية، على حد تعبيره.
وأضاف النائب: قدمت أكثر من 60 أداة رقابية قوية، نصفها تقريبًا أتى بنتائج فعلية والنصف الآخرى كان عكس المتوقع، فكانت المشكلة الكبرى في عدم تجاوب بعض الوزارات، مما يجعل الحكومة مسؤولة عن الفشل في تنفيذ استحقاقات دستورية مثل التعويضات الخاصة بنزع الملكية أو تسويات قانون التصالح، واصفًا أداء الحكومة في الملفات المذكورة بالفاشل.
وشدد النائب على أن المجلس مطالب بأن يكون أكثر صرامة في متابعة الأدوات الرقابية، مضيفًا: لا يعقل أن تناقش طلبات إحاطة خطيرة تخص حقوق المواطنين، وتأتي الحكومة بنفس الردود الواهية، ونقبل الأمر وكأنه طبيعي، لذلك فالمطلوب وقفة حقيقية من البرلمان لضمان محاسبة الحكومة وحماية حقوق الناس.
لائحة البرلمان تكشف شروط تقديم النواب طلبات الإحاطة
ووفٌقا لـ لائحة مجلس النواب، فإنه يحق لكل نائب في البرلمان التقدم بطلب إحاطة لرئيس الوزراء أو الوزراء حول قضية عامة تدخل في اختصاصهم، بشرط أن يكون مكتوبًا ومحددًا.
ويتم قيد الطلب في سجل خاص حسب تاريخ وساعة وروده، حيث يفحص مكتب المجلس الطلب، وإذا لم تتوافر فيه الشروط يتم حفظه مع إخطار النائب، وله حق الاعتراض خلال 7 أيام، ليُعرض بعدها على اللجنة العامة للفصل فيه، ويلتزم رئيس المجلس بإبلاغ الجهة المعنية بطلب الإحاطة خلال 30 يومًا، ثم يُدرج في جدول أعمال الجلسة التالية بعد أسبوع من الإبلاغ وفقًا لأهميته.

ويُناقش طلب الإحاطة قبل بند الأسئلة، حيث يقدم النائب بيانًا موجزًا، ثم يرد الوزير المختص بإيجاز، وإذا كانت الإجابة كافية لا تُفتح مناقشة موسعة، لكن يمكن للمجلس إحالة الموضوع للجنة المختصة لإعداد تقرير عاجل عنه.
أدوات بلا أثر.. قصة طلبات لم تُنفذ
النائبة آمال عبد الحميد، عضو مجلس النواب، كانت من أكثر النواب التي رصدهم مُعد التحقيق تقديمًا لـ أدوات برلمانية في دور الانعقاد الخامس، بل حتى رغم فض أعمال المجلس ظلت النائبة تستخدم أدواتها البرلمانية، لكنها كانت تحدث تأثيرًا إعلاميًا دون أي نتائج فعلية.

فقد قدمت مقترحًا مثيًرا للجدل لتعديل مواعيد العمل الرسمية، بحيث تبدأ من الخامسة صباحًا إلى الثانية عشرة ظهرًا، الاقتراح لاقى انتشارًا واسعًا على السوشيال ميديا، لكنه قابل بنقد بسبب عدم واقعيته في ظل ظروف المواصلات والحياة اليومية، حيث لم يتسن لنا الحصول على تفسير منها، وذلك لعدم ردودها على المكالمات قبل نشر هذا التحقيق.
عبد الحميد أيضا طرحت عدة مقترحات برلمانية في وقت قريب بنفس الأسلوب اللافت إعلاميًا، مثل، عودة الضرب في المدارس لحفظ الانضباط على حد وصفها، وآخر لـ تقليص الإجازات الرسمية، وحظر سير النقل الثقيل صباحًا، وتحديد أسعار الكشف الطبي في العيادات الخاصة.
البرلسي: تهرب الحكومة من تنفيذ توصيات البرلمان يُفقد الأدوات الرقابية قيمتها
ومن جانبه، وجه النائب أحمد البرلسي، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع انتقادات حادة إلى أداء الحكومة في التعامل مع الأدوات الرقابية للبرلمان، مؤكدًا أن الكثير من التوصيات الصادرة عن اللجان النوعية أو الجلسات العامة تواجه بالتجاهل أو المماطلة من جانب السلطة التنفيذية، وهو ما يجعل النواب مضطرين لإعادة مناقشة الملفات نفسها أكثر من مرة دون الوصول إلى نتائج حقيقية.

وقال البرلسي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، إن هذا النهج يُفرغ الدور الرقابي من مضمونه، ويضعف من ثقة المواطنين في قدرة البرلمان على تحقيق الرقابة الفعّالة، مشيرًا إلى أن نجاح أي أداة رقابية يظل مرهونًا بالتزام الحكومة بتنفيذ ما يصدر عنها من توصيات.
ورغم ذلك، أوضح البرلسي أن البرلمان تمكن في بعض القضايا من تحقيق إنجازات ملموسة، لافتًا إلى أنه نجح في إلزام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور على عمال شركة وبريات سمنود، كما أسهم في متابعة تنفيذ الخطة الاستثمارية بمدينة المحلة الكبرى، وتسريع إنجاز بعض المشروعات المتأخرة، مثل محطة القطارات الجديدة.
وشدد النائب على أن جوهر الأزمة يكمن في غياب العلاقة الرشيدة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، قائلًا: لا بد أن تدرك الحكومة أن البرلمان ليس خصمًا لها، بل شريك في إدارة شؤون الدولة، وأن احترام التوصيات الصادرة عنه يعني احترام إرادة الشعب الذي نمثله.
الاستجواب الغائب خلال دور الانعقاد الخامس
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور عبد الله مغازي، أستاذ القانون الدستوري، أن أدوات الرقابة البرلمانية لم تُستخدم بالشكل الأمثل خلال الفصل التشريعي السابق، رغم وجود قضايا كان من المفترض أن تصل إلى حد الاستجواب لبعض الوزراء بسبب مشكلات قوية أثارت غضب الشارع.
وأضاف المغازي، في تصريحات خاصة لـ القاهر ة 24، أن غياب الاستجوابات أضعف من فاعلية الدور الرقابي للبرلمان، موضحًا أن السبب يرجع أحيانًا إلى "توازنات حزبية" أو توجهات من بعض الأحزاب السياسية الرئيسية حالت دون تصعيد الأمر إلى هذا الحد، مما انعكس سلبًا على ثقة المواطنين.
وأشار مغازي إلى أن الهدف ليس الإكثار من استخدام أدوات مثل سحب الثقة أو الاستجواب، وإنما تفعيلها وفقًا لما يقتضيه الدستور عندما تستدعي الضرورة ذلك، مستندًا إلى دلائل ومستندات قوية، حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد "شو" سياسي أو محاولة لهز الثقة في الحكومة دون مبرر.
وشدد على أن الالتزام الصحيح باستخدام الأدوات الرقابية يرسخ مبدأ التوازن بين السلطات الثلاث، دون إفراط يهدد استقرار الدولة، أو تفريط يسمح بمرور الإهمال الجسيم دون محاسبة، معتبرًا أن الخاسر الوحيد في هذه الحالة هو الوطن.
حادث قطار مطروح يكشف ضعف تأثير أدوات النواب الرقابية
ولعل حادث انقلاب قطار مطروح يقدم نموذجًا آخر على محدودية جدوى الأدوات الرقابية، إذ تفاعل معه عدد من النواب بتقديم طلبات إحاطة وأسئلة عاجلة حتى خلال الإجازة النيابية، حيث تسمح اللائحة الداخلية لمجلس النواب للنواب بتقديم أدوات رقابية إلى الأمانة العامة للمجلس أثناء العطلة، ليتم إحالتها إلى اللجان المختصة أو الحكومة مباشرة تمهيدًا لبحثها عند استئناف الجلسات ورغم ذلك، لم يصدر أي تقرير واضح أو متابعة حقيقية لما انتهت إليه هذه الأدوات، مما يعكس استمرار المشكلة الجوهرية، غياب آليات إلزامية تضمن أن تتحول أدوات البرلمان من مجرد مخاطبات شكلية إلى إجراءات فعالة تعالج أزمات تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
كما رصد التحقيق عدة أدوات رقابية للنائب أشرف أمين، من بينها طلب إحاطة فند من خلاله وجود نقص حاد في عدد الأطباء البيطريين في المدن والمحافظات، موضحًا أن الإسكندرية مثلًا تعمل بنسبة 14% فقط من قوتها الأساسية، لذلك فإن هذا الوضع يهدد سلامة الأغذية الحيوانية ويستدعي تدخلًا سريعًا من وزارة الزراعة، لكن لم تخرج علينا اللجان المختصة لتوضح توصياتها في هذا الشأن.
وبعد كل هذه الأرقام والشهادات، والتي تكشف عن فجوة عميقة بين النصوص الدستورية والواقع البرلماني، فإن أدوات النواب أقرب إلى بيانات صحفية عابرة، لا إلى آليات فاعلة تضمن محاسبة الحكومة وحماية حقوق الناس.




