ورقة سماح
فيه ناس فاكرة إن المسامحة دي هدية بتديها للشخص اللي غلط فيك، أو إنها علامة ضعف، أو حتى نوع من التنازل عن كرامتك، بس الحقيقة اللي قليل جدًا بيشوفها إن المسامحة في الأساس هدية ليك أنت.. أنت اللي بتتحرر الأول قبل ما الطرف التاني يستفيد أي حاجة.
لما حد يوجعك أو يخذلك أو يكسر جواك حاجة، الطبيعي إن قلبك يتملي بغضب ومرارة و"أنا مش قادر أنسى"، تفضل شايل الموقف زي حجر تقيل في ضهرك، كل مرة تفتكر، يوجعك تاني، وتلاقي نفسك بتعيد الفيلم جوه دماغك، نفس الكلام، نفس الخيانة، نفس الوجع، كأنك بتعيشه للمرة المليون، والنتيجة؟ أنت اللي بتتأذى أكتر من اللي غلط فيك.
عارف الإحساس ده لما تبقى قاعد لوحدك وفجأة ييجي في بالك مشهد قديم؟ قلبك يدق بسرعة، دمك يغلي، ومودك يبوظ من غير أي مقدمات، الشخص التاني اللي عمل فيك كده يمكن عايش حياته عادي جدًا، بيضحك وبيخرج ومش حاسس بأي حاجة.. لكن أنت لسه محبوس في نفس اللحظة.
المسامحة هنا مش معناها إنك تقول "اللي حصل ماحصلش"، أو إنك تمسح اللي اتعمل كأنه مش موجود، لا.. المسامحة معناها إنك تختار ماتسيبش اللي حصل يسيطر على بقية حياتك، تختار إنك تبطل تشيل الوجع زي شنطة تقيلة في كل مشوار، المسامحة مش عشان هو يستاهل، المسامحة عشان أنت تستاهل ترتاح.
أنا فاكر صديقة ليا كانت عايشة في مرارة بسبب واحدة قريبتها خذلتها بشكل صعب، كانت كل ما تيجي سيرة القريبة دي، وشها يتغير، قلبها يتقبض، كلامها يبقى مليان غضب، لحد ما في يوم قررت تواجه نفسها وقالت: أنا اللي بتعب.. هي يمكن مش فارق معاها، لكن أنا كل يوم بوجع نفسي تاني، ومن يومها بدأت تكتب لنفسها رسائل عن الغفران، ماقالتش للقريبة دي حاجة، لكن جواها قررت إنها تسامح، بعد فترة، لقيتها بتضحك أكتر، كلامها أهدى، مابقاش الموضوع واخد مساحته زي زمان، اكتشفت إن الحرية الحقيقية مش إنها تنتصر على اللي ظلمها، لكن إنها تنتصر على المشاعر اللي كانت مسجونة فيها.
المسامحة مش سهلة، وأنا مش هجمّل الكلام، أوقات بتبقى أصعب حاجة تعملها، خصوصًا لو الجرح كبير أو من شخص قريب قوي، لكن اللي يستاهل إنك تفكر فيه هو أنت: هل ينفع تعيش عمرك كله شايل أعباء ناس تانية جرحوك؟ هل ينفع تخلي وجعهم يسرق فرحتك وحياتك وسلامك؟
المسامحة مش معناها إنك ترجع العلاقة زي الأول، ولا إنك تدي ثقة من غير حساب، لكن معناها إنك تبطل تسجن نفسك في زنزانة الغضب، ساعات اللي يسامح يبان قدام الناس إنه ضعيف، لكن الحقيقة إنه الأقوى، لأنه اختار يسيب الماضي ويمشي قدام.
في الآخر، اللي بيسامح مش بيحرر التاني.. هو بيحرر نفسه، بيحرر قلبه من حمل ملوش لازمة، بيحرر روحه من قيود بتسحبها لورا، وبيفتح لنفسه باب جديد للسلام.
جرب تسامح مش عشان اللي قدامك، لكن عشان نفسك.. يمكن تلاقي الحرية اللي كنت بتدور عليها جوة قلبك من زمان.


