الغدر
لم يجد رئيس الوزراء القطري وصفا أبلغ من كلمة -الغدر- ليصف الضربة الإسرائيلية على الدوحة.. ضربة وقعت بينما قطر منهمكة في جهود الوساطة ومحاولات إطفاء نيران غزة فإذا بالصواريخ تنهال فوقها!
قالها الشيخ محمد بن عبد الرحمن صريحة: لقد تعرضنا للغدر..!
لكن الغدر لم يكن فقط في القصف بأكمله بل في الردود وفي التهديدات وفي تواطئ الصمت الدولي..
نتنياهو لم يكتف بالضربة بل صعد التهديد: إما أن تطرد قطر قادة حماس أو تحاكمهم وإلا ستتلقى المزيد من الضربات؛ ولم يكتف بذلك بل حاول تجميل الجريمة بتشبيهها بما فعلته أمريكا حين قتلت بن لادن وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن على أرض الخليج!
ثم يتحدث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، فهل يسعي لإعادة تشكيل الخليج أيضا؟ وهل يريد أن يفرض معادلاته بالصواريخ بدل السياسة؟
قطر رأت في الضربة خيانة كبرى وصفها رئيس وزرائها بأنها -غدر وخيانة- واتهمت إسرائيل بأنها تستخف بالقانون الدولي وبالحياة الإنسانية وأنها لا تريد سلاما ولا وساطة؛ وأعلنت الدوحة أنها بصدد إعادة تقييم دورها في الوساطة بعد هذا الاستهداف المباشر..!
لقد تحولت إسرائيل إلى لاعب مارق يمارس العربدة السياسية لأنها قوة عسكرية منفلتة من كل كابح قانوني أو أخلاقي.. فأي عقل يبرر لها أن تضرب وسيطا معترفًا به دوليا؟!
أن توالي الضربات أصبح سمة يومية: ـ من دمشق إلي غزة ومن بيروت إلى اليمن وكأن نتنياهو يتسلي..!
لا توجد جريمة نص عليها القانون الدولي إلا وارتكبتها إسرائيل بلا رادع ولا حساب.
أما مجلس الأمن فكالعادة أصدر بيانًا مرتبكا: أدان الهجمات على قطر وأعرب عن القلق وتحدث عن خفض التصعيد لكن لم يجرؤ على ذكر اسم إسرائيل!
الفاعل الأساسي غائب عن البيان..! وكأن الصواريخ سقطت وحدها من السماء والسبب معروف: الخوف من الفيتو الأمريكي.
وفى المجمل فإن الموقف الأمريكي أكثر غرابة: البيت الأبيض أبلغ قطر بالضربة بعد عشر دقائق من وقوعها!
وكأن عشرة طائرات إسرائيلية أطلقت 12 صاروخا على الدوحة يمكن أن تتحرك من تل أبيب دون أن تمر عبر تنسيق مع قاعدة -العديد- الأمريكية نفسها في قطر.
فهل يعقل أن واشنطن لم تكن تعلم؟ أم أن ما جرى كان تنسيقا باردا ترك قطر أمام الأمر الواقع؟
في المقابل كان التضامن العربي هذه المرة قويا والموقف المصري جاء صريحا: قطر ليست وحدها وأمنها من أمن مصر ومن الأمن القومي العربي، هكذا صرح مندوب مصر في مجلس الأمن.
وكل الأنظار الآن تتجه إلى القمة العربية الإسلامية المرتقبة على أمل أن تشهد تحركات فاعلة للرد على انتهاك إسرائيل لكل الخطوط الحمراء.
إن الغدر ليس مجرد كلمة عابرة في خطاب سياسي.. الغدر هو عنوان المرحلة:
إسرائيل تغدر بوساطة تبذل لحماية المدنيين.
مجلس الأمن يغدر بالحقيقة ويخفي اسم المعتدي.
الولايات المتحدة تغدر بحليفتها الصغيرة حين تختار التواطؤ على حساب الصراحة.
وهكذا يتجلى الغدر الإسرائيلي في أبشع صوره.. طعنة في خاصرة شقيقة وفضيحة أخلاقية وسياسية لن يغسلها الزمن.!
إن ما أقدمت عليه إسرائيل ليست ضربة لقطر وحدها بل إنذار لكل عربي بأن الغدر الإسرائيلي لا يعرف حدودا ولا يعترف بأشقاء.. وإسرائيل التي تتغنى بديمقراطيتها لا تجد غضاضة في ممارسة الغدر كهوية رسمية وعلامة تجارية مسجلة


