الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الصفحة المفقودة من كتاب الأرض

الإثنين 15/سبتمبر/2025 - 09:36 م

في قلب الصحراء المصرية حيث يسكن الصمت وتتمدد الرمال بلا نهاية، يرقد وادٍ صغير هادئ يبدو للعين العابرة مجرد طبقات من صخور متدرجة الألوان، لكن هذا الوادي ليس عاديا فهو في الحقيقة حافظا لذاكرة الأرض، يخبئ بين طبقاته ذلك الفصل الناقص من كتابها العظيم الذي بحث عنه العلماء طويلا ليكشفوا سر الانتقال بين عصرين وكيف غير الكوكب وجهه فجأة قبل ملايين السنين.

تاريخ الأرض كتاب عظيم كتبت صفحاته بالحجر والرواسب غير أن هذا الكتاب لم يصلنا كاملا، فصفحات منه سقطت، وأخرى تمزقت تاركة فراغات غامضة وأشدها غموضا، كان ذلك الحد الفاصل بين زمنين عظيمين حين شهدت الأرض قبل نحو 56 مليون سنة تغيرا مناخيا مدويا سمى بالاحتباس الحراري الأقصى، ارتفعت فيه حرارة الغلاف الجوي والمحيطات من 5 الي 8 درجات، فاختنقت كائنات وانقرضت، بينما ازدهرت أخرى لتعيد رسم ملامح الحياة على وجه الكوكب من جديد.

وإذا كان العالم قد فتش طويلا عن موضع يقرأ فيه هذه الصفحة الضائعة فقد وجد ضالته في وادي الدبابية جنوبي إسنا بالأقصر.

هنا في قلب مصر النابض احتضنت طبقات الوادي سجلا رسوبيا نادرا متكاملا لم يتشوه ولم ينقطع، حتى صار المعيار الذي اعتمدته اللجنة الدولية للطبقات لتعريف هذا التحول الكبير، لتصبح الدبابية ليست مجرد مقطع جيولوجي صامت بل غدت محمية طبيعية شاهدة على لحظة اختناق الكوكب بغازات الكربون ثم نهوضه من جديد، كأنها متحف مفتوح على صفحة من التاريخ مكتوبة بخطوط الطبيعة نفسها فمن يقف أمام صخورها يقرأ فصلا كاملا يقول هنا تغيّر وجهي وهنا بدأت حياة أخرى.

إن ما تكشفه لنا الدبابية ليس مجرد ذكرى من الماضي، بل مرآة تنعكس فيها صورتنا اليوم فكما اختنق الكوكب قديمًا بالانبعاثات نعيد نحن اليوم المشهد بأيدينا عبر التلوث والغازات المتصاعدة وما بين طبقات الصخور يأتينا التحذير واضحا إذا لم نتعلم من سجل الأرض فقد نكتب النهاية في فصل جديد لكنه هذه المرة فصل من صنع الإنسان.

تابع مواقعنا