الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

ماذا لو اتحد العرب اقتصاديًا؟

ماذا لو اتحد العرب اقتصاديًا؟

الثلاثاء 16/سبتمبر/2025 - 06:13 م

في عالم يتغير بسرعة هائلة، لم يعد بقاء الدول منفردة خيارًا استراتيجيا، فالقوى العظمى نفسها، مثل الولايات المتحدة التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 30 تريليون دولار، أو الصين بناتج يقارب 19 تريليون دولار، وحتى ألمانيا التي تصل إلى 4 تريليونات دولار، لا تكتفي بقوتها وحدها بل تبحث دائمًا عن تحالفات وشراكات لتعزيز نفوذها، الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، لم يكن مجرد تكتل سياسي، بل مشروع اقتصادي جعل من 27 دولة كيانًا واحدًا قادرًا على منافسة العمالقة.

وعلى النقيض تمامًا، ما زالت الدول العربية – رغم امتلاكها عناصر وحدة طبيعية من لغة مشتركة، وثقافة متقاربة، وموقع جغرافي استراتيجي يربط القارات – عاجزة عن بناء اتحاد اقتصادي حقيقي هذا الاختلاف يجعل كل دولة تتحرك بشكل فردي، فتبدو ضعيفة مقارنة بما يمكن أن تكون عليه لو اجتمعت، لتوضيح الفجوة أكثر: شركة واحدة فقط مثل آبل الأمريكية تبلغ قيمتها السوقية حوالي 3 تريليونات دولار، وهو رقم يقارب الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول العربية مجتمعة، الذي يتراوح بين 3.5 و4 تريليونات دولار فقط، رغم أن المقارنة بين القيمة السوقية والناتج المحلي ليست دقيقة اقتصاديًا، إلا أنها تكشف حجم الفجوة بوضوح.

ثروات العالم العربي

من الناحية الاقتصادية، قُدر الناتج المحلي الإجمالي العربي بنحو4 تريليونات دولار عام 2024، أي ما يضع العرب مجتمعين في المرتبة الخامسة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي واليابان، هذا الرقم وحده يوضح أن العرب لو اتحدوا اقتصاديًا لأصبحوا لاعبًا أساسيًا في الاقتصاد العالمي، وليس مجرد تكتلات صغيرة متفرقة.

ويضم الوطن العربي أكثر من 450 مليون نسمة، أي أكبر من الاتحاد الأوروبي (448 مليون نسمة)، ويمتد على مساحة تتجاوز 13 مليون كيلومتر مربع، ما يجعله من أوسع الكتل الجغرافية عالميًا.

وتستند هذه الكتلة إلى ثروات طبيعية هائلة؛ إذ تمتلك الدول العربية نحو 45% من احتياطي النفط العالمي و27% من احتياطي الغاز، فضلًا عن معادن ضخمة، فالمغرب يتصدر احتياطي الفوسفات بنسبة تفوق 70% عالميًا، بينما تملك السودان وموريتانيا والسعودية احتياطيات من الذهب والحديد.

وفي الزراعة، يمكن للسودان وحدها أن تكون سلة غذاء المنطقة بما يفوق 200 مليون فدان صالحة للزراعة وموارد مائية غزيرة، في حين تشتهر مصر بالقطن طويل التيلة، والمغرب وتونس بالزيتون والحمضيات، إضافةً إلى القمح والشعير في الجزائر وسوريا والعراق، وتعزز الجغرافيا هذه القوة بفضل ممرات بحرية استراتيجية، مثل قناة السويس التي يمر عبرها 12% من التجارة العالمية، ومضيق هرمز الذي يعبره أكثر من 20% من إمدادات النفط، وباب المندب الرابط بين آسيا وأوروبا.

أما الصناعة، فقد بدأت السعودية والإمارات تنويع اقتصادهما عبر البتروكيماويات والصناعات الثقيلة، بينما تملك مصر قاعدة صناعية متنوعة تشمل الحديد والصلب والإسمنت والغذاء، ويبرز المغرب كمركز لصناعة السيارات والطائرات في إفريقيا، وفي السياحة، تمتلك المنطقة مقومات فريدة؛ فقد استقطبت مصر أكثر من 14 مليون سائح في 2023، والمغرب نحو 12 مليون، والإمارات 17 مليونًا في دبي فقط، إضافةً إلى ملايين الحجاج والمعتمرين سنويًا في السعودية، ما يجعل العوائد السياحية قابلة لتجاوز 100 مليار دولار سنويًا، وعند جمع عناصر القوة هذه -السكان، الموارد، الطاقة، الزراعة، الصناعة، التجارة، والسياحة- يظهر أن العرب يمتلكون بالفعل جميع المقومات لبناء قوة اقتصادية تضاهي الاتحاد الأوروبي أو حتى الصين.

لماذا لا يوجد اتحاد اقتصادي عربي؟

لا شك في وجود انقسامات السياسية وغياب الاستقرار ببعض الدول العربية يجعل من الاتحاد الاقتصادي تحديًا صعبًا، كذلك وجود أنظمة الاقتصادية متباينة من اقتصاد السوق الحر في الخليج إلى الاقتصاد شبه المركزي في بعض الدول، هذا التنوع يحتاج إلى سياسات موحدة، وأخيرًا ضعف الإرادة السياسية ربما هو العائق الأكبر، فكل دولة اعتادت أن تتحرك منفردة، وتخشى أن تفقد شيئًا من سيادتها، لكن هذه التحديات ليست مستحيلة الحل، فالاتحاد الأوروبي واجه مشاكل أعقد، من اختلاف اللغات والثقافات، إلى الحروب التاريخية بين فرنسا وألمانيا، ومع ذلك، نجحوا لأنهم وضعوا المصلحة الاقتصادية فوق الاعتبارات الضيقة.

ماذا لو اتحد العرب اقتصاديًا؟

الاتحاد الاقتصادي العربي ليس مجرد حلم رومانسي أو شعار قومي، بل يمكن قياس فوائده بشكل ملموس أهمها:

  • سوق موحدة ضخمة: اتحاد يضم 450 مليون مستهلك يعني قوة شرائية هائلة، وسوق جاذبة للاستثمارات العالمية والشركات العالمية ستتعامل مع العرب ككيان اقتصادي واحد، كما تفعل اليوم مع الاتحاد الأوروبي أو الصين.
  • تنويع اقتصادي حقيقي: الدول العربية ليست متشابهة من حيث الموارد فالخليج غني بالنفط والغاز، مصر والمغرب يمتلكان قوة زراعية وسكانية، الإمارات وقطر رائدتان في الخدمات واللوجستيات، الأردن ولبنان في التعليم والصحة، الجزائر والسودان في الموارد الطبيعية، اتحاد هذه المزايا يخلق اقتصادًا متكاملًا بدلًا من اقتصادات أحادية ضعيفة.
  • قوة تفاوضية عالمية: بدلًا من أن يذهب كل بلد عربي منفردًا للتفاوض على اتفاقيات تجارية أو صفقات استثمار، يمكن للاتحاد العربي أن يفرض شروطًا أفضل ويحمي مصالحه بشكل جماعي، مثلما نجح الاتحاد الأوروبي في ذلك، فما الذي يمنع العرب؟
  • البنية التحتية المشتركة: تخيل شبكة قطارات سريعة تربط القاهرة بالرياض ودبي بالدار البيضاء، أو خطوط كهرباء تربط المغرب بمصر والخليج هذه المشاريع ممكنة جدًا لو تمت بالفعل على أرض الواقع.
  • القدرة التكنولوجية والبحثية: الدول العربية مجتمعة تصرف على البحث العلمي أقل من 1% من ناتجها المحلي، بينما دول مثل كوريا الجنوبية تصل إلى 4%. لو تم توحيد الميزانيات وتوجيهها لمراكز بحثية كبرى، يمكن للعرب اللحاق بركب التكنولوجيا بدلًا من الاعتماد الكامل على الغرب.

الفكرة ليست مستحيلة ولا ضربًا من الخيال كل الأرقام تقول إن العرب لو اتحدوا اقتصاديًا سيصبحون قوة عظمى في النظام العالمي، ما ينقص فقط هو الإرادة والقدرة على ذلك، وربما تكون البداية في خطوات بسيطة: منطقة تجارة حرة حقيقية، مشاريع بنية تحتية مشتركة، ثم تدريجيًا اتحاد اقتصادي متكامل.

تابع مواقعنا