الخطاب المصري في قمة الدوحة.. نقلة نوعية في مواجهة الاحتلال وتنبيه للأمة
الحقيقة أن الخطاب المصري خلال القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة كان الأكثر صدى لدى إسرائيل، وذلك لاعتبارات عدة؛ فمصر هي أقوى دولة تربطها بها حدود واحدة، ولديها معها اتفاقية سلام، ومن الطبيعي أن تحرص تل أبيب على استمرارها.
ليس لأنها دولة تجنح للسلم، فقد أثبتت كل مواقفها أنها عاشقة للحرب والقتل والتدمير، وتتلذذ بتعذيب الآخرين، وتتفنن في ابتكار أساليب القهر، ولعل ما نراه اليوم في غزة من بشاعات لم يشهدها التاريخ الإنساني خير دليل.
ورغم هذا، فإن إسرائيل تسعى إلى الحفاظ على تلك المعاهدة مع مصر لتأمن جانبها، ما دامت لم تقرر مواجهتها بعد.
وحتى إذا قامت بخروقات هنا أو هناك، وهي في طبيعتها، فإنها تجد دومًا المخرج والمستند الذي تعرف كيف تستخدمه دوليًا، خاصة وهي تستند دائمًا إلى داعمها الأول في البيت الأبيض دائما أيا كان ساكنه.
لكن الخطاب المصري هذه المرة جاء بمثابة صفعة على وجه قادة الكيان؛ فقد تجاهلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل بارع، ووجّه حديثه مباشرة إلى شعب إسرائيل، ليضعه في مواجهة قادته الذين يدفعونه نحو الهاوية فقط لضمان بقائهم في السلطة، بينما يوهمونه أنهم في الطريق لتحقيق خرافة إسرائيل الكبرى.
ولعل الفقرة الأهم والأكثر إزعاجًا للاحتلال كانت حين وصفه الرئيس بالعدو بشكل صريح، قائلًا نصا: "يجب أن تتغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أي دولة عربية مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام."
بهذا التعبير لم يتحدث السيسي بلسان الدبلوماسية الرسمية فحسب، بل نقل أيضًا رؤية الشعب المصري للكيان، وألقى بالمسئولية على الأمة كلها، ليقول إن مواقفنا هي التي ستغير نظرة عدونا لنا فنحن أمة عظيمة قادرة إذا توحدت.
وقد تجسد هذا المعنى بوضوح في خاتمة الخطاب، حين دعا الرئيس إلى ضرورة إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والعمل المشترك، مؤكدًا بالقول:
"أصبح لزامًا علينا في هذا الظرف التاريخي الدقيق، إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكننا جميعًا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي تحيط بنا"..
هكذا وضع السيسي الجميع أمام مسئولياتهم، مختتمًا خطابه بدعوة صريحة قد تكون بداية يقظة من غفلة طالت.
إن ما جاء في خطاب الرئيس المصري بالدوحة لم يكن مجرد كلمات بروتوكولية في محفل عربي وإسلامي، بل كان بمثابة جرس إنذار للأمة كلها؛ فإما أن تستيقظ لتدرك حجم المخاطر التي تتهددها وتستعيد وحدتها، أو تظل أسيرة التشتت والضعف فتدفع الثمن وحدها.
إن مواجهة الاحتلال لا تكون بالشعارات وحدها، وإنما بتغيير المواقف وصياغة رؤية مشتركة، وهو ما دعا إليه الخطاب المصري بوضوح لم بغفل التأكيد على ضرورة إخلاص النوايا.


