راكب الأسد
هناك حكمة قديمة تقول: «القريب من السلطان كراكب الأسد، يخيف الناس به وهو أكثرهم خوفًا منه»، وقد سادت هذه المقولة وترسخت في عصور كان للسلاطين فيها سطوة وجبروت وقوة قد تصل إلى ذبح من يعارضهم دون حساب!! والمقصود هنا من المقولة أنك مهما كنت قريبًا من السلطان فقد يأتي الدور عليك في لحظة سوداء غبراء لا يعلمها أحد، ومع مرور الزمان وإعادة مفاهيم صياغة الحُكم في العالم واختلاف الأنظمة من ملكية وجمهورية وسلطانية إلخ.. تغيرت المفاهيم وأصبح للديموقراطية صوت وللعدالة والقانون دور، الأمر الذي حارب وقوَّم الديكتاتوريات في العالم بنسبة كبيرة، وعلى الرغم من ذلك، فلا نستطيع القول إن تلك المقولة الخاصة بالقريب من السلطان لا مجال لذكرها الآن في زمننا الحاضر، فقد حلت دول ظالمة أشد بطشًا من سلاطين الزمن الماضي، ولنا في إسرائيل مثال يراه أعمى القلب والبصر قبل المبصرين.
دول عديدة للأسف تصورت أنها بعيدة عن بطش سلاطين هذا العصر المتمثلة في دول سواء عظمى أو مغتصبة للأراضي، تصوروا أن قربهم من هؤلاء بل ومنحهم المزايا والهدايا وعدم التعليق على مجازرهم، سيجعلهم في مأمن منهم ومن شرورهم ونواياهم وأحلامهم القديمة التي أكدها التاريخ دون نسبة شك !!
وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن واستدار الأسد وغدر براكبه دون أدنى قطرة حياء !!
لا أمان مع مَن ليس له كلمة أو عهد، لا سلام شامل بمفهومه العميق مع مَن يتعامل مع الأمور، وفقًا لمخططات ومعتقدات سياسة ودينية، لا صداقة من قريب أو بعيد مع مَن يقتل الأطفال ويقصف المستشفيات ويعيد للأذهان عمليات الإبادة الجماعية والمجازر، ويغتصب الأراضي ويشرد ويروع البشر.
إن كنت قريبًا منه أو بمعنى أدق، إن كنت قد قررت القُرب منه، وغوايته لك كانت أقوى من إرادتك فاعلم أنك كراكب الأسد تخيف الناس به، ولكنك أكثرهم خوفًا منه وقد أثبتت التجربة مدى خطورة الاقتراب من الأسود أو السلاطين الطغاة، أو الدول المغتصبة للأراضي والحقوق.
وأخيرًا وليس آخرًا، تحيا مصر ومواقف قيادتها السياسية الحكيمة وريادتها في المنطقة ومواقفها التاريخية النبيلة، وقهرها لكل أسد وأي أسد حاول المساس بها وبشعبها وأراضيها على مرّ الزمان.


