نحن وشات جي بي تي 8: انهيار التعليم التقليدي وتشكيل سوق عمل جديد
هل تتوقع أن شهادتك الجامعية ستصبح بلا قيمة في سوق العمل خلال 10 سنوات؟ وأن 26% من الطلاب اليوم يستخدمون شات جي بي تي ومثيلاته لإنجاز واجباتهم المدرسية، بينما أصحاب العمل يفضلون المتفاعلين مع الذكاء الاصطناعي على المتخصصين الجامعيين؟ أعتقد أن ما نشهده حاليًا يُمهد لانهيار النظام التعليمي التقليدي القائم من قرون، وإعادة تشكيل جذرية لاقتصاد بحجم 10 تريليونات دولار.
كان التعليم لقرون آلية اقتصادية لإنتاج القوى العاملة، لكن الذكاء التوليدي مثل شات جي بي تي وغيره كسر هذه المعادلة جذريًا، لم نعد نحتاج لجيل يحفظ المعلومات بل لجيل يتفاعل مع الذكاء الاصطناعي ويتقن المهارات الدائمة التي لا يمكن أتمتتها، وهذا يطيح نهائيًا بالامتحانات التقليدية ونظم التقييم المعتمدة على الحفظ وحتى فكرة التخصص الأكاديمي.
تكشف بيانات عام 2025 حقيقة مقلقة أن 66% من الطلاب عالميًا يعتمدون على شات جي بي تي في الأبحاث الدراسية، والأكثر إثارة للقلق أن استخدام الطلاب لـ شات جي بي تي في الواجبات المدرسية تضاعف من 13% في 2023 إلى 26% في 2024، لا شك أن هذه هذه الأرقام تمثل إنذارًا مبكرًا بانهيار نظام التقييم التقليدي، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، فإن كل امتحان أو تقييم تقليدي يفقد معناه.
لكن الزلزال الحقيقي يحدث في سوق العمل، فأصحاب العمل باتوا يفضلون المتفاعلين مع AI على المتخصصين الجامعيين، هذا يعني أن سوق العمل تتغير أسرع التعليم، مما يخلق فجوة متسارعة بين مخرجات الجامعات ومتطلبات الواقع.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا يتخصص طالب في المحاسبة إذا كان شات جي بي تي يحاسب أفضل منه؟ ولماذا يحفظ القوانين إذا كان الذكاء الاصطناعي يستطيع تحليل آلاف القضايا في ثوانٍ؟ إذن فإن المهارات التقنية قد تفقد صلاحيتها في أقل من خمس سنوات في المتوسط وهي مدة أقل من مدة الدراسة الجامعية.
قطاع التعليم يستهلك 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن عائده الاستثماري ينهار بسرعة، والشركات تنفق مليارات إضافية على إعادة تدريب الخريجين، فمثلا شركة IBM وحدها تلتزم بتدريب 2 مليون متعلم بحلول 2028 مما يجعل التعليم التقليدي استثمارًا خاسرًا.
أما في التأثير الاجتماعي؛ فقد كان التعليم التقليدي يصنع طبقة وسطى متعلمة تشكل العمود الفقري للاقتصاد، لكن الذكاء الاصطناعي يهدم هذا النموذج ويخلق فجوة حادة بين نخبة تتحكم بالذكاء الاصطناعي وجماهير تستهلك خدماته، أي بدلًا من ديمقراطية التعليم نتجه نحو أرستقراطية تكنولوجية.
بالتالي تعيش الحكومات أزمة وجودية إذ تنفق تريليونات على أنظمة تعليمية قد تصبح عديمة الجدوى خلال 10 سنوات، وهذا ما تنبهت له الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت رسميا في أبريل 2025 عن أمر رئاسي لدمج تعليم الذكاء الاصطناعي من رياض الأطفال حتى الجامعة، في إشارة واضحة إلى تخلي الدول المتقدمة عن النموذج القديم.
هذا ليس نقاشًا نظريًا بل أزمة حقيقية تتطلب حلولًا عاجلة، فقطاع التعليم بحجمه البالغ 10 تريليونات دولار يواجه إعادة هيكلة كاملة، ونحن أمام إعادة تشكيل جذرية للعقد الاجتماعي الذي يربط التعليم بالاقتصاد بالسياسة، والسؤال لم يعد هل سيتغير التعليم؟ بل كيف سنتكيف معه؟


