الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

بدأت حين انتهيت

السبت 20/سبتمبر/2025 - 08:20 م

كنت هناك في زمن لم يبق منه سوى الرماد، مدينتي أسوارها بلغت أطراف السحاب، كل شيء فيها كان ينظر لأعلى إلا ذلك الصغير.

تتعثر الكلمات كلما أردت الفرار منها، تكبلني الحروف والقواعد حتى تخنق صوتي، أقول مللا.. اصمتي الآن، كنت أضع في يدي هذه سوارًا من زيف ممتد ما بين عقلي وروحي، وهنا بين ضلوعي كان لي قلب لم يعرف سوى الألم.

أشباح من وهم طاردتني في شوارع فارغة، ليس بها سوى حجارة صلبة وظلام يتحدى نور الفجر الذي لم أدركه إلا بأحلامي، كنت أنام سنوات طويلة لعلي أغادر هنا إلى المجهول، كنت أؤمن أن هناك عالم آخر يشبه أحلام قلب لا يتألم، بل تنتظم دقاته لأجل محبة الحياة، تجرأت يوما وتحديت أشباح الشوارع الفارغة.. وجدتهم أمامي مباشرة إما الموت أو الموت.

هذا الصغير قد ولد أول أمس، وقد أخبرتني جدتي أنها شاهدته قد ولد مرتين من قبل، قلت لأشباحي خذوه أصلبوه على أبواب المدينة، انقذوا ما تبقى من وهمي.

تتبعتهم بعد غروب الشمس وقبل أذان الفجر يرددون الأذكار.. أذكار تمتلئ ضجيجا وأنينا وقليل من معنى لا تصفه كلمة أعرفها، أدركت أن الصغير سيصلب اليوم، اجتمعت مدينتي كلها لتشهد الخلاص، لم أذهب معهم.

بقيت أنتظر.. لم أذهب لأحلامي ولا لذلك العالم الباهت، لقد خطوت في شمس الظهيرة، على أرض جافة شديدة الصلابة، تجرحت قدامي، وتصبب العرق من جسدي، وانفكت خصلات شعري وتقطعت أطراف ملابسي، ووجدتني وحدي بلا شيء، أين ذهبت أشباحي، رفعت عيني وأنا أتحسس وجهي لأجد الصغير مصلوبًا ينزف ألما، يأن أنينا مكتومًا لا تسمعه أذني، اقتربت أتحسس أقدامه، سقطت الآن أمامه أرجوه أن يغفر لي ذنبي، لقد آمنت أنك ولدت مرتين من قبل. 

وضعت يدي اليمنى على أستار حجر مقدس وجدوه في أرض بعيدة قد سقط أمامهم من السماء، جذبت الأستار فرأيت الحجر حجر، ولففت الصغير على صليبه وحملته حتى أنزلته أرضا، حاولت نزع الصغير من قدره، حاولت أن أنتظر عودة روحه، بقيت إلى جواره ألف عام، تطاردني أشباح الوهم ليلا فأضع المزيد من الستائر فوقه وفوقي، وتأتي الشمس صباحًا فأبحث عنه بين يدي فلا أجده رغم أني ألمس دفء جسده القريب مني، لم تواجه شمعات سبع ظلام ليلى أبدًا، جعلتني أرى الصغير ممدًا يأن بلا نهاية، امتزج جسدي به وذابت روحي فيه وأحرقت الشمعات أطراف أصابعي وانكسر رأسي على الحجر.

لماذا لا أغادر؟ صرخت لأسمع صوتي أنا، بدأت دقات قلبي لأول مرة، تنتظم، كررتها مرات ومرات، لماذا لا أغادر، ارحلي الآن، الآن، سقط الصليب المنصهر على قدمي وتعثرت مرتين في الحجر ثم وجدت نارًا تشتعل من ذلك الشمعدان، نارًا حرقت كل شيء أمامي، كنت أسرع الخطوات وأصرخ، ناديت على الذين شهدوا صلب الصغير، الذين تزاحموا يوم وشيت به، لم يأتي أحد، حتى أشباحي انزوت هناك تراقبني في هدوء مخيف، نزعت كل شيء، صرت عارية أمام ذاتي، لا أريد أثرًا يذكرني أني مررت من هنا، وجدت الأبواب، وكما انزوت الأشباح في أركان المدينة وقعت الأسوار، لم يبق شيء، اختفى العالم، اختلط عليا الأمر، هل عدت لأحد أحلامي أم أني الآن أستيقظ من نوم طويل؟

لقد بدأت حين انتهيت.

تابع مواقعنا