المحليات.. نبض الدولة وميزان العدالة اليومية

حين نتحدث عن التنمية يذهب الخيال إلى مشروعات كبرى وطرق سريعة ومدن جديدة، لكن الحقيقة أن التنمية تبدأ من حيث يقف المواطن البسيط، من قلب قريته وشارعه وبيته هناك في أصغر التفاصيل تختبر الدولة قوتها وضعفها.

المحليات ليست مجرد وحدات إدارية، بل هي صورة الدولة في أعين الناس المواطن لا يرى الحكومة من شرفات الوزارات ولا من قاعات البرلمان إنما يراها حين تنقطع الكهرباء في ليل الشتاء أو حين تتأخر سيارة الإسعاف عن إنقاذ مريض يراها في طابور الخبز أو في شارع يغرق بالمياه بعد مطر قصير، وهنا يظهر الدور الجوهري للمحليات: فهي المرآة الحقيقية التي تعكس إن كان الوطن قريبًا من مواطنيه أم بعيدًا عنهم.

إدارة المراكز ليست درجة أدنى من المحافظة بل هي أساسها فالمركز هو القلب الذي يضخ الحياة في القرى وهو الجسر الذي يربط بين المدينة والنجع وهو اليد التي تُنفذ المشروعات القومية على أرض الواقع، فإذا صلحت المراكز صلحت المحافظة بأكملها وإذا فسدت أو ضعفت تعطلت عجلة التنمية مهما كانت الخطط رائعة والشعارات براقة.

التجربة تخبرنا أن الدولة القوية لا تُبنى من أعلى الهرم إلى أسفله بل من قاعدته الصلبة وهذه القاعدة هي المحليات، فالمحافظ الناجح هو الذي يجعل من كل رئيس مدينة وقاية ودرعًا ومن كل رئيس قرية خلية عمل نابضة والإدارة المحلية الناجحة تعني تعليمًا أفضل وصحة أقوى وطرقات آمنة وخدمات يشعر بها المواطن في تفاصيل حياته الصغيرة قبل الكبيرة.

رسالتي:

إلى المسؤول في المحليات.. اعلم أن كل توقيع منك هو حياة كاملة لمواطن وأن كل تأخير في ورقة يعني معاناة وكل إهمال في خدمة يعني فقدان ثقة الناس في الدولة، فكن عادلًا حاضرًا قريبًا من الناس لأن منصبك ليس سلطة بل رسالة.

وإلى المواطن.. لا تنتظر أن يُصلح المسؤول كل شيء وحده تعاون وراقب وشارك في حماية ما يُنجز، فالمحليات هي بيتك قبل أن تكون مؤسسة الدولة إصلاحها مسؤوليتك كما هي مسؤولية من يديرها.

إن أردنا مصر قوية بحق، فلنبدأ من القاعدة من المركز والمدينة والقرية والحي هناك يُبنى الوطن الحقيقي، وهناك تُرسم ملامح الجمهورية الجديدة، فالمحليات ليست الهامش بل هي المتن ليست تفصيلة صغيرة بل هي أصل الحكاية كلها.