الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الذكاء الاصطناعي.. مرآة الإنسان وظله

السبت 27/سبتمبر/2025 - 04:47 م

في قديم الزمان، كان الحكيم يروي لتلاميذه أن الإنسان يخلق أدواته لتخدمه، ثم قد ينسى أنه هو من صنعها، قال لهم: الفأس لا يقطع إلا بيد الحطّاب، والسيف لا ينتصر إلا بذراع المحارب، وحتى الكلمات لا تنطق إلا بلسان من يملك روحًا، واليوم، ونحن أمام الذكاء الاصطناعي، تعود الحكاية لتتجسد من جديد.
لم يعد الذكاء الاصطناعي حلمًا بعيدًا في روايات الخيال العلمي، ولا مجرد خيوط برمجية معقدة خلف شاشات الحاسوب، لقد أصبح حقيقة ملموسة، يتسلل إلى تفاصيل حياتنا كما يتسلل الضوء إلى الغرف المظلمة، يغير من عاداتنا، ويعيد صياغة طريقتنا في التفكير والعمل. صار حوارًا يوميًا بين الإنسان وآلته، بين العقل الذي يبدع والعقل الذي يحاكي.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل جاء الذكاء الاصطناعي لينتزع منا أدوارنا، أم ليضيف إلى قدرتنا أجنحة جديدة نطير بها نحو المستقبل؟
الآلة – مهما بلغت قوتها – تبقى مقيدة بما نغذيها به من بيانات، وما نصمم لها من حدود، هي تتقن الحفظ والاسترجاع، تفهم الأرقام والأنماط، وتبرع في تقديم الحلول السريعة. لكنها لا تحب ولا تكره، لا تحلم ولا تتألم، لا تتذوق جمال قصيدة ولا تهتز روحها لابتسامة طفل، إنها مرآة لنا، تعكس ما نضع فيها، لكنها تفتقد جوهر التجربة الإنسانية.
في التعليم مثلًا، صار بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يصمم برامج تفاعلية، يقترح طرقًا مبتكرة للتعلم، ويمنح كل طالب مسارًا يناسبه، لكنه –مهما فعل– لن يستطيع أن يضع يده على كتف طفل ليبث فيه الطمأنينة، أو أن يزرع الأمل في قلب تلميذ محبط، هنا يظهر المعلم، الإنسان، الذي يتجاوز حدود المعلومات ليصنع إنسانًا آخر.
وفي الإدارة، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحلل آلاف البيانات في دقائق، أن يرسم خرائط للمشكلات، ويقترح طرقًا للحل، لكنه يقف عند عتبة القرار؛ فالقرار يحتاج عقلًا يوازن بين الأرقام والقلوب، بين المصلحة والقيم، بين ما هو ممكن وما هو عادل، وهنا تبرز القيادة الإنسانية التي لا يمكن لأي آلة أن تحاكيها.
أما في عالم الاستثمار والاقتصاد، فقد صار الذكاء الاصطناعي رفيقًا أساسيًا، يقرأ اتجاهات السوق، ويتوقع تحركات المستهلكين، ويبتكر حملات تسويقية. لكنه ينتظر دائمًا العقل المبدع، صاحب الرؤية، الذي يعرف كيف يحول الأرقام الجامدة إلى مشروع ينبض بالحياة.
الخوف من الذكاء الاصطناعي يشبه الخوف من القلم لأنه قد يكتب بدلًا منا. القلم بلا عقل كعودٍ مكسور، والآلة بلا إنسان كظل بلا جسد، إنها أدوات بأيدينا، إما أن نتركها لتقودنا، فنصبح تابعين، أو نستخدمها نحن لنصبح أسبق وأقوى
أيها القارئ العزيز.. لا تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كعدو ينافسك على مكانك، بل كرفيق يمنحك وقتًا لتبدع، ويختصر عليك دروبًا طويلة، اجعله خادمًا لعقلك لا سيدًا عليه، استثمره ليرفعك، لا ليحل محلك. فالمستقبل لا يحتاج لمن يخاف ويهرب، بل لمن يواجه ويتعلم ويتطور، تذكّر دائمًا: الذكاء الاصطناعي لن يأخذ مكانك إلا إذا تركت مكانك فارغًا.
وكما انتهى الحكيم قديمًا من قصته قائلًا: الآلة بلا إنسان صامتة، والإنسان بلا آلة قاصر. فإذا اجتمعا بعقلٍ حكيم، ولدت حضارة جديدة.

تابع مواقعنا