الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

قراءة شاملة في ضوء «الاستراتيجية المقترَحة لمواجهة الفكر المتطرّف وأساليبه إعلاميًا»

من البندقية إلى البوست.. نتنياهو يسلح السوشيال ميديا

الأحد 28/سبتمبر/2025 - 04:18 م

أولًا: التحول الاستراتيجي – من فوهة البندقية إلى شيفرات الخوارزمية

لم يعد الصراع في العالم المعاصر حكرًا على الدبابات والطائرات والصواريخ. لقد وُلد سلاح جديد أكثر دهاءً وخطورة: الخوارزميات. هذه الأدوات الرقمية، التي تحكم حركة المعلومات في فضاءات التواصل الاجتماعي، تحولت إلى ترسانة قادرة على إعادة تشكيل الوعي، وتوجيه الرأي العام، وصناعة “الشرعية الزائفة” لأي نظام أو مشروع سياسي.
حين خرج بنيامين نتنياهو ليعلن صراحةً أن “السوشيال ميديا أهم أسلحة الحرب”، فإنه لم يتحدث عن أمرٍ طارئ أو تكتيكي، بل عن عقيدة استراتيجية تتبناها إسرائيل وتعمل على تكريسها عبر مؤسساتها وأذرعها الإعلامية.

ثانيًا: نتنياهو والمؤثرون – معركة على وعي الشباب

في لقاء جمعه بمؤثرين أمريكيين داخل القنصلية الإسرائيلية، كشف نتنياهو بوضوح أن المعركة لم تعد على الأرض وحدها، بل في عقول الأجيال الجديدة، وبخاصة طلاب الجامعات في الغرب. هؤلاء المؤثرون ليسوا مجرد وجوه شبابية، بل أدوات تشغيلية في منظومة متكاملة لإعادة صياغة السرديات حول إسرائيل وفلسطين، وتحويل الاحتلال إلى “رواية مبررة” عبر التغذية المستمرة للمحتوى الموجَّه.

الأخطر أن هذا التوظيف يتزامن مع صفقة استحواذ تيك توك في الولايات المتحدة، حيث دخلت شركات كبرى مثل Oracle ومستثمرون نافذون للتحكم في البنية التحتية للمنصة، بما يمنحهم سلطة مباشرة على توصيات الخوارزميات، أي على ما يشاهده مئات الملايين حول العالم.

ثالثًا: الجذور الغربية للتطرف – من النازية إلى الاستعمار الرقمي

من المهم هنا أن نعيد التأكيد على حقيقة تاريخية كثيرًا ما يُتجاهل ذكرها: التطرف الفكري صناعة غربية قبل أن يكون تهديدًا شرقيًا. الفاشية والنازية والعنصرية البيضاء وحركات “الكو كلوكس كلان” داخل الولايات المتحدة، كلها ولدت في الغرب قبل أن تُصدر إلى مناطق أخرى.

ولم يكن الإرهاب المعاصر إلا ثمرةً لتدخلات استعمارية وتلاعبات جيوسياسية غربية، غذّت الانقسامات وصنعت فراغات قابلة للتجنيد. من هنا فإن تصوير “التطرف” كظاهرة مرتبطة فقط بالشرق الأوسط أو الإسلام هو قلبٌ للحقائق التاريخية. بل إن ما نراه اليوم في “حرب الخوارزميات” ليس إلا تجليًا رقميًا جديدًا لهيمنة استعمارية قديمة.

رابعًا: نتنياهو أمام العدالة – البعد القانوني والأخلاقي

لا يمكن أن نفصل خطاب نتنياهو عن موقعه القانوني. فالمحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بحقه في نوفمبر 2024، في سياق اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة. هذا الوضع يجعل من حديثه عن “السوشيال ميديا كسلاح حرب” محاولةً مفضوحة لتلميع صورته عبر أدواتٍ غير عسكرية بعدما فشل في تبرير جرائمه العسكرية.
إن وصف نتنياهو بـ “مجرم حرب” هنا ليس شعارًا، بل توصيفًا يستند إلى مذكرات توقيف دولية ومطالبات حقوقية عالمية بمحاسبته. وهو ما يجعل من الضروري ربط حرب الخوارزميات بالحرب على العدالة؛ إذ تعمل إسرائيل عبر أدوات رقمية على تضليل الرأي العام العالمي وإضعاف الضغوط القانونية.

خامسًا: الاستراتيجية المقترحة لمواجهة حرب الخوارزميات

من خلال البحث الأكاديمي الذي أعددته بعنوان «الاستراتيجية المقترَحة لمواجهة الفكر المتطرف وأساليبه إعلاميًا»، يمكن وضع خارطة طريق عملية لمواجهة هذه الحرب الناعمة:
1. كشف السرد الموجَّه: تتبّع مصادر تمويل الحملات الإعلامية، وكشف شبكات النفوذ المالي–الإعلامي التي توجه الرأي العام.
2. بناء منصات بديلة: الاستثمار في منصات عربية–دولية مستقلة تقدم محتوىً موثوقًا وتقاوم الاحتكار الغربي للسرد.
3. تعزيز المناعة المعرفية: إدماج التفكير النقدي ومهارات التحقق الإعلامي في المناهج التعليمية.
4. القانون والدبلوماسية: ملاحقة الجرائم الرقمية والجرائم الحربية أمام المحافل الدولية.
5. تحالفات إقليمية: تشكيل جبهات إعلامية عربية وإسلامية متماسكة تقدم رواية مضادة تستند إلى القانون والحقائق.

سادسًا: مصر نموذجًا – من التضحية إلى القيادة

لا يمكن في هذا السياق إغفال الدور المركزي لمصر، التي تحمّلت لعقود عبء المواجهة مع الإرهاب والتطرف. مصر دفعت ثمنًا باهظًا من دماء أبنائها، واستطاعت أن تُفشل محاولات زعزعة الدولة، وأن تقدم للعالم نموذجًا في الصمود أمام موجات التطرف الفكري والمسلح.

لكن الحقيقة الأعمق أن مصر لم تكن تُقاتل من أجل حدودها فقط، بل كانت تتحمل نيابةً عن العالم كله أعباء هذه الحرب. لو لم تصمد القاهرة وتدفع هذا الثمن الجسيم، لكانت موجات الإرهاب قد تدفقت إلى أوروبا وإفريقيا وآسيا بصورة أوسع بكثير. مصر كانت ولا تزال جدار الصد الأول، ومخزن الخبرة في كيفية مواجهة التطرف على المستويين الأمني والفكري.

لقد حملت مصر وحدها مسؤولية هذه الحرب في سنواتٍ ظنّ فيها كثيرون أن الإرهاب شأن محلي يخص المنطقة فقط، بينما أثبتت الأحداث أن استقرار العالم مرهون بقدرة القاهرة على الثبات. ومن هنا فإن الحديث عن مصر باعتبارها “قوة إقليمية” ليس توصيفًا سياسيًا فقط، بل اعترافٌ موضوعي بأنها تحملت الكلفة نيابة عن البشرية، وقامت بدور لم يكن بوسع أي دولة أخرى أن تقوم به منفردة.

خاتمة: لا حياد في حرب العقول

تصريحات نتنياهو تمثل اعترافًا استراتيجيًا بأن الحرب الحديثة متعددة الأبعاد: عسكرية، معلوماتية، وقانونية. الردّ لا بد أن يكون شاملًا: قانونيًا لمحاسبة مجرمي الحرب، إعلاميًا لكشف التضليل، تربويًا لبناء مناعة الأجيال، ودبلوماسيًا لتشكيل تحالفات عادلة.
لقد ولدت “حرب الخوارزميات” من رحم الاستعمار الرقمي الغربي، لكن الردّ عليها لا يكون بالاستسلام، بل بإبداع أدوات مضادة تُعيد للوعي العالمي توازنه.
ومصر، بما تملكه من تجربة وتضحيات، مطالبة بأن تكون في صدارة هذا التصدي، ليس فقط دفاعًا عن نفسها، بل دفاعًا عن إنسانية مهددة بتزييف وعيها على أيدي خوارزميات مُسخّرة لتبييض الجرائم.

تابع مواقعنا