طعم البادية الذي لا يغيب.. العصيدة والمثرودة أكلات تراثية بين أبناء القبائل بصحراء مطروح
في الصحراء مترامية الأطراف، حيث الرمال تلتقي بالسماء، وحيث البساطة تحكم تفاصيل الحياة، وُلدت أطباق خالدة ما زالت حاضرة على موائد أبناء البادية حتى يومنا هذا.
من بين هذه الأطباق التقليدية العريقة، تبرز العصيدة والمثرودة (أو المفروكة) كرمزين للكرم والأصالة، وكأطباق لا تنفصل عن التراث البدوي الأصيل.
العصيدة.. وجبة المناسبات والبساطة
العصيدة ليست مجرد طعام، بل هي طقس اجتماعي وثقافي متجذر في حياة البدو. تُعد من دقيق القمح أو الشعير، حيث يُخلط بالماء ويُطهى على نار هادئة مع التحريك المستمر حتى تتماسك العجينة، ثم تُشكل في شكل قبة مستديرة، وتُسكب في وسطها السمن البلدي أو اللبن أو العسل.
أم سلومة سيدة بدوية في الستين من عمرها، تقول: العصيدة كانت وما زالت فطورنا المفضل، كنا نعدّها في الصباحات الباردة، ونتقاسمها نحن وأولادنا حول النار، هي أكلة مشبعة ومغذية، وما تحتاج إلا دقيق وسمن ومحبة.
في كثير من المناسبات، خاصة الولائم أو الأعياد، تحضر العصيدة كرمز للترحيب بالضيوف، وكدلالة على الجود.
المثرودة.. طعام الصحراء ورفيقة القهوة
المثرودة، أو كما تُعرف في بعض المناطق بـ"المفروكة"، تحمل في طياتها قصة الصحراء، هي طبق بسيط يتكوّن من خبز البر (القمح الكامل) أو الخبز الجاف، يُفتت ويُخلط بالسمن والتمر، وأحيانًا بالحليب أو اللبن وتُقدم دافئة أو باردة، حسب ذوق من يتناولها.
يقول سالم راشد، أحد الرواة الشعبيين: المثرودة كانت زاد الرحالة في البر. سهلة التحضير، ولا تفسد بسرعة. نخلطها بالتمر ونفركها بالسمن، وتكفي القافلة كلها. كانت وجبة الفقير والغني، والطفل والشيخ.
وتُعد المثرودة كذلك من الأكلات التي تُقدم مع القهوة العربية في جلسات الضحى، وغالبًا ما ترافقها الحكايات والأشعار والأنغام الشعبية
الأكلات البدوية تراث لا يموت
العصيدة والمثرودة ليستا مجرد أطعمة، بل هما نافذتان على نمط حياة، وثقافة عريقة تعكس بساطة العيش وكرم الضيافة لدى أهل البادية. ومع تطور الحياة ودخول الأطعمة الحديثة، إلا أن الكثيرين يحرصون على المحافظة على هذه الوصفات، ونقلها إلى الأجيال القادمة.


تقول أم العز الشمري، شابة مهتمة بالتراث: نتعلم من جداتنا طريقة العصيدة والمثرودة، ونحاول نعيد تقديمها بطريقة عصرية، لكن بدون ما نفقد روحها الأصلية. هذا تراثنا، ولازم نحافظ عليه
بين رائحة السمن البلدي، وطعم التمر الحلو، وصوت النيران المشتعلة في الخيام، تحضر العصيدة والمثرودة شاهدة على زمن مضى، وزمن لا يزال ينبض بأصالة البادية. وفي كل لقمة، تُروى حكاية من الصحراء، وذكرى من حياة الكفاف والعطاء.




