خطر السودان وأمان مصر.. كيف حصنت القاهرة نفسها من تداعيات سد النهضة؟
بين مخاوف الفيضان الكاسح الذي يضرب السودان جراء التدفقات الهائلة من سد النهضة الإثيوبي، والقلق الدائم من سيناريوهات النقص المائي، تبرز مصر كـ "حصن منيع" بفضل عقود من التخطيط الاستراتيجي، بينما تتزايد التحذيرات من خطر انهيار سدود في دول الجوار، تؤكد القاهرة أنها في مأمن، معتمدة على قلعتها الكبرى السد العالي.
اتخذت وزارة الموارد المائية والري منذ 13 عامًا خطوات استباقية لمواجهة أي ضرر محتمل من سد النهضة، كما يقف السد العالي اليوم جاهزًا بسعة تخزينية هائلة لاستقبال أي كميات من المياه، مُبددًا قلق المواطنين.. فما هي خطط الطوارئ الدائمة التي وضعتها مصر لحالات الفيضان أو العطش؟ وكيف يرى الخبراء قدرة مصر على تحويل تحدي المياه إلى فرصة، في ظل توقف المفاوضات رسميًا وبقاء مصير التشغيل دون اتفاق؟
خطط الطوارئ الدائمة لحالات الفيضان أو النقصان في المياه
كشفت مصادر مسؤولة داخل وزارة الموارد المائية والري، لـ القاهرة 24، عن التدابير التي اتخذتها الوزارة لسيناريو تصريف المياه بصورة كبيرة من سد النهضة.
وأوضحت المصادر، أنه منذ الحديث عن سد النهضة خلال السنوات الـ 13 الماضية اتخذت البلاد جمع الاحتياطات لحمايتها من أي ضرر قد يحدث وهذه الخطوات الاستباقية حمت البلاد من أي سيناريو سيء قد يحدث مثلما يحدث في السودان حاليًا، ووضع خطط الطوارئ الدائمة لحالات الفيضان أو النقصان في المياه.
وزير الري الأسبق: السد العالي حصن مصر.. ويجب التوصل لاتفاق مع إثيوبيا لتجنب سيناريو العطش
من جانبه يرى الدكتور حسين العطيفي وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن قلق المواطنين حاليًا من حدوث فيضانات في مصر بسبب سد النهضة قلق لا داع له، لأن السد العالي الجاهز لاستقبال أي كميات من المياه ستأتي من إليه، وهو قادر على حماية البلاد بسعة تخزينية هائلة تبلغ 162 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى البحيرات الجانبية الثلاث حول بحيرة ناصر بسعة إضافية قدرها 22 مليار متر مكعب، ومفيض توشكى القادر على تصريف أكثر من 20 مليار متر مكعب.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، إن إن المياه التي تأتي مصر حاليًا نتيجة فتح بوابات سد النهضة، هي بمثابة خير لمصر وللزراعة أيضًا، لافًتا إلى أنه يجب أن تتواصل إثيوبيا مع مصر والسودان لاتفاق حول إدارة وتشغيل سد النهضة، لأنه ليس كل عام سيكون كمية المياه كبيرة وسيناريو العطش وحجز المياه من الجانب الإثيوبي وارد.
فيضانات السودان بسبب سوء تشغيل إثيوبيا لسد النهضة
من جهته حذر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، من أن استمرار التدفقات المائية الهائلة القادمة من سد النهضة الإثيوبي بالتزامن مع الفيضان الطبيعي لنهر النيل قد أثر بالفعل على عدة مناطق داخل السودان، معربًا عن قلقه الشديد من خطر انهيار سد الروصيرص السوداني في حال لم يتوقف التصريف الكبير للمياه، مؤكدًا أن فيضانات السودان بسبب سوء تشغيل إثيوبيا لسد النهضة.
وأوضح شراقي في تصريحات لـ القاهرة 24، أن السد العالي في مصر يتعامل مع مياه الفيضان بكفاءة عالية، فمنذ مطلع شهر سبتمبر الماضي، بدأ السد في استقبال مياه الفيضان بشكل متزايد، بدءًا من السدود السودانية، وحاليًا يستقبل المياه المتدفقة من سد النهضة الإثيوبي، إضافة إلى مصادر الإيراد الأخرى.
موعد فتح مفيض توشكى
وأشار شراقي إلى أن أقصى استعدادات مصر السنوية لاستقبال المياه تبدأ في الأول من أغسطس من كل عام مع بداية السنة المائية، لافتًا إلى أن وصول الإيراد السنوي من نهر النيل لمصر تأخر قليلًا في السنوات الأخيرة بسبب عمليات ملء سد النهضة، وهو ما حدث هذا العام، وقد بدأ الإيراد في الوصول فعليًا في بداية سبتمبر، عقب قيام السودان بزيادة فتح بوابات سدودها، ثم مع بدء تصريف سد النهضة بعد افتتاحه في 9 سبتمبر 2025.
ونبه الدكتور شراقي إلى أن السد العالي استقبل حتى الآن فيضانات النيل من السودان، والتي تجاوزت 700 مليون متر مكعب خلال شهر سبتمبر، مؤكدًا أن هذا يعتبر بداية العام المائي فقط، موضحًا أن السد العالي يستقبل الفيضان في بحيرة ناصر مباشرةً دون الحاجة لبوابات. البوابات الموجودة هي فقط لتصريف المياه عبر التوربينات للاستخدامات اليومية، ومفيض توشكى لا يزال مغلقًا وستبقى مصر تستقبل حصتها المائية المتبقية، ولن يتم اتخاذ قرار بفتحه إلا في حال استمر الفيضان بضخامة تتجاوز قدرة التخزين.
انتهاء المفاوضات رسيمًا مع إثيوبيا
في التاسع عشر من ديسمبر 2023، أعلنت وزارة الموارد المائية والري رسميًا انتهاء المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة دون التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي، نظرًا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة، وفقًا لما قالته وزارة الري آنذاك.
وفي سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، افتتاح سد النهضة رسميا، الذي شيدته أديس أبابا على النيل الأزرق، حسبما قالت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية "إينا".
وبعد أيام من افتتاح السد الإثيوبي رسميًا، ضربت السودان فيضانات مدمرة خلَّفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، متأثرة بفتح بوابات سد النهضة وتصريف المياه.
