الوهم أخطر من الهزيمة.. حين نصنع انتصارات مزيفة على صفحات فيسبوك
لم يعد سلاح الاحتلال الإسرائيلي مقصورًا على الطائرات والصواريخ والدبابات فقط رغم امتلاكه لأحدثها وأشدها فتكا بالطبع، بل أصبح الإعلام أحد أكثر أدواته فاعلية وخطورة، خاصة بعد هذه الثورة التكنولوجية الهائلة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي بلا شك لديه سيطرة كبيرة عليها حتى وإن كان بشكل غير مباشر.
ولعلنا نرى كيف أن سياسات تلك المواقع تنحاز إلى الكيان الصهيوني بالكلية عبر حظر وحجب كل ما يمكن أن يبرز جرائمه، والتضييق على أي محتوى يؤيد المقاومة بحجة دعم كيانات إرهابية؛ بينما نجد غض الطرف تماما عن كل الإجرام الإسرائيلي الذي هو الإرهاب بعينه.
وبينما ينشغل البعض بترديد أخبار مثيرة عن معلومات وانتصارات لا وجود لها في الواقع، يكون العدو قد نجح بالفعل في ضرب ثقة الناس بأنفسهم وصناعة وعي زائف يربك المجتمعات أكثر مما يخدمها.
ولا يمكن استبعاد أن بعض هذه الأخبار الزائفة التي يتلقاها ملايين ويتعاملون معها على أنها حقائق رغم أنها خيالية، قد يكون مصدرها نفسه آلة الإعلام الصهيونية التي تعمل ليل نهار على صناعة الوهم.
فالمعادلة بسيطة: حين يصدق الناس خبرًا غير صحيح ويستقر في أذهانهم كـ نصر كبير، تكون الصدمة أشد عندما يتم اكتشاف زيفه.
والنتيجة إحباط كبير وفقدان الثقة في أي إنجاز حقيقي لاحق حيث أصبح الشك والاهتزاز هما الأساس.
لهذا فإن التعامل مع الأخبار بشكل عام، وخصوصًا ما يتعلق بإسرائيل وحروبها الخفية أو المعلنة، يجب أن يكون بعقول ناقدة ويقظة.. فلا يجوز الاعتماد على صفحات مجهولة بموقع فيسبوك أو إكس مهما بلغ عدد متابعيها، لأنها لا تخضع لأي معايير مهنية ولا تتحمل مسؤولية قانونية أو أخلاقية عمّا تنشره وبكل أسف هناك من يساهم في ترويج محتواها بإعادة تدويره.
المصدر الوحيد الذي يمكن أن يمنح الخبر قيمته هو المنصات والمواقع الموثوقة التي تلتزم بمعايير دقيقة للنشر في إطار صحفي مهني واضح.
الصحافة المهنية لا تلهث وراء الإثارة، بل تتحقق وتدقق وتضع الحقيقة أولًا، لأنها تدرك أن الوهم طريق نحو الفشل، وأن صناعة الانتصار الزائف لا تقل ضررًا عن الهزيمة العسكرية ذاتها.
إن المعركة اليوم تكمن في الوعي قبل أن تكون معركة سلاح، والوعي لا يُبنى بالشائعات، بل بالحقيقة المجردة مهما كانت مُرة، لأنها وحدها القادرة على أن تصنع وعيًا صلبًا وصمودًا طويل الأمد في مواجهة آلة إعلامية صهيونية جبارة تحترف التلاعب بالعقول وإغراق المجتمعات العربية في دوامة التفاهة والوهم.


