شرف الدفاع عن الأوطان موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم | نص الخطبة
حدَّدت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 3 من أكتوبر 2025، الموافق 11 من ربيع الآخر 1447 هـ، بعنوان: «شرف الدفاع عن الأوطان»، ليكون موحدًا على جميع المنابر بمختلف المحافظات.
وأكدت «الأوقاف» أن الهدف من اختيار موضوع خطبة الجمعة هو ترسيخ معاني الانتماء والوعي بواجب حماية الوطن، والدفاع عن العرض والأرض، وبيان مكانة ذلك في الدين والشرع.
وشددت الوزارة على جميع الأئمة بضرورة الالتزام الكامل بمضمون الخطبة وموضوعها المحدد سلفًا، وكذلك الالتزام بالوقت المقرر لها دون زيادة أو نقصان، في إطار سعي الوزارة إلى توحيد الرسالة الدعوية وترسيخ معاني الوطنية والدفاع عن البلاد عبر منابرها الرسمية.
نص خطبة الجمعة
الحمد لله الرحيم الرحمن، عمر بذكره الكون والإنسان، وأكرم الناس بالأوطان ونعمة العمران، نحمده حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، ما تعاقب الجديدان، وبعد:
فإن الأوطان قصة عشق أزلية، مكتوبة بمداد الأرواح، وموقعة بدم الشهداء، هي أرض سقاها العرق، وحصنها الشرف، وصانتها التضحية، الوطن هو النبض الأول، والذكرى الأخيرة، والهوية التي نعتز بها، والتاريخ الذي نرويه لأبنائنا، والمستقبل الذي نصنعه بأيدينا، حب الوطن عطاء لا يتوقف، وتضحية لا تنضب، فما بالكم أيها الكرام إذا كان الوطن هو مصر التي قال عنها نبي الله يوسف عليه السلام: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}.
أيها الناس، اعلموا أن الوطن كلمة عظيمة تتجسد فيها معان جليلة، تتلألأ بين حروفها أنوار ساطعة، خاب وخسر من نعته بأنه حفنة من تراب، فها هو الجناب المكرم صلى الله عليه وسلم يرتبط بالوطن ارتباط الروح بالجسد، عندما وقف صلى الله عليه وسلم على بطحاء مكة فودعها حين أخرج منها قائلا: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
أيها النبلاء، إن هذا الوطن أغلى ما يضحى من أجله، وأنفس ما يبذل للدفاع عنه الغالي والنفيس، أرأيتم شرف الجندية المصرية، كيف حمت الأرض والعرض! إن جند مصر هم خير الأجناد، وملاذ العباد، وحمى البلاد، جيش له درع وسيف، وقوة ومهابة، وعز ونصرة، جعله الله في منزلة عالية، ومكانة سامقة، ومهمة مقدسة، فهو في رباط لا ينقطع، ومدد من الله لا ينتهي، وغوث لا يتوقف، نقل الله به حال هذا الشعب من الحزن إلى الفرح، ومن اليأس إلى الرجاء، تشتاق قلوب رجاله إلى الشهادة، وقد رووا الأرض بدمائهم دفاعا عن وطنهم وعرضهم، صدق فيهم الوصف النبوي: «إذا فتح الله عليكم بعدى مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض».
إن الدفاع عن الأوطان حس ينبض، وحياة توهب، شرف لا يدانيه شرف، ومنزلة لا تضاهيها منزلة، أما رأيتم يوم الخندق كيف كانت تضحية سيدنا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن؟ ألم يصل إليكم خبر عبقرية سيدنا سلمان الفارسي التي صانت الأرض والعرض؟ ألم تحك كتب السير عن ملحمة حفر الخندق التي جمعت كل أطياف المجتمع وسط صيحات التكبير الممزوجة بالبشريات؟ ألم يشهد التاريخ عظمة حطين وعين جالوت وغيرها من معارك الحفاظ على التراب المقدس؟ وفي العصر الحديث كانت ملحمة العبور ممزوجة بنفس صيحات التكبير، كما ارتوت أرض سيناء المقدسة بدماء الشهداء في الحرب على الإرهاب، وقد صدق فيهم قول ربهم جل جلاله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
أيها المكرم، اعلم أن حراسة مقدرات الوطن والدفاع عنها عبادة عظيمة وقيمة نبيلة تسمو فوق القيم وتحلق في سماء الشرف، فمن بات ساهرا مرابطا على ثغور وطنه، ليكسر مطامع الأعداء ويصدهم عن مآربهم، فهو في جهاد عظيم يبلغ به أعالي الجنان، قال الله جل جلاله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}، وقال صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»، ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: «ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف، لعله أن لا يرجع إلى أهله».


