زعابيب الخصام
وأنت مزاجك رايق، ومعطاء، وكريم، وعندك استعداد تسمع أي شكوى من أي حد وتحاول تساعد في حلها بتكون ملاك في نظر الناس كلها، وبيكون عندهم رغبة حقيقية في التواجد جنبك ليل نهار بدون كلل أو ملل.. لكن في لحظات الخلاف بينك وبينهم أو حتى الأوقات اللي ظروفك الخاصة بتغلبك فيها وبتخلّيك غصب عنك بعيد عن الود والوصل اللي كانوا موجودين قبل كده وبيخرج منك بعض التصرفات العصبية الخارجة عن إرادتك مش هتلاقي اللي يستحملك أو يراعيك أو يقدر إن دي مش شخصيتك الحقيقية لكنها مجرد وضع مؤقت.
عشان كده أنا بحترم لحظات الزعل اللي بتحصل بين طرفين لإنها بتكون كاشفة لحقيقة الغلاوة والمحبة بعيد عن المجاملات اللي متعرضتش لأي اختبار.. صديقي العزيز الكاتب الراحل "أحمد مدحت" الله يرحمه بيحكي وبيقول من فترة، إن كان له صديق كان متخانق مع خطيبته، خناقة مش بسيطة، ومش متعودين على النمط ده من الخناق يكون ما بينهم لا من ناحية العصبية ولا من ناحية الألفاظ القاسية اللي كانت لأول مرة تتقال ما بينهم برضه.
كل واحد منهم أخد جنب.. بعد أسبوع من عدم كلامهم، عيد ميلادها جه ميعاده.. صديق "أحمد" جاب لخطيبته الهدية اللي هي كانت حاجة معينة كان عارف إنها محتاجاها في الفترة دي وهتفرحّها، وراح إداها لوالدتها، ومشى، وسابلها جوه الكيس ورقة بيقول فيها "كل سنة وأنتي طيبة.. أنا لسه زعلان، بس مكنش ينفع يعدي النهاردة غير وهديتك معاكي".. وبعدها بيومين اتصالحوا.. لما "أحمد" سأل صديقه ليه عملت كده، مع إنه عارف إنه فعلًا كان زعلان منها، قال له: مكنش ينفع اليوم يعدي وهي لوحدها.. أنا عارف إنها بتمتحن ومكتئبة، والهدية دي هتخليها أحسن.. ولو جيبتهالها بعد كده، مكنش هيبقى ليها طعم.. أنا كنت زعلان منها، بس مش عاوز أخسرها ولا مستعد إن ده يحصل.. أنا زعلان منها، بس مش مستعد أشوفها مكسورة.
أوقات الزعل هي الأوقات الصادقة اللي بتبان فيها الغلاوة الحقيقية.. هي الاختبار الأمثل للتفرقة بين اللي شايفك مجرد محطة في حياته، واستغل لحظة الزعل عشان يتلكك ويبعد بدل ما يفوتها إكرامًا للود اللي كان، وبين اللي شايفك شريك وسند وحجر أساس لحياته، وإن زعلكم من بعض ما هو إلا فترة تتأكدوا فيها إن الحياة متنفعش غير وأنتوا سوا بالتالي مفيش مانع من شوية تنازل مادامت محبتنا أكبر.. شوية الزعل مع الحبايب عاملين زى حبة زعابيب الهوا اللي بيهبوا عشان يطيروا ورق الشجر اللي مالوش جذور وبالتالي الرؤية والطريق بيبقوا أوضح، وأنضف.. معدن العلاقات بتكشفه الخلافات، وبيها بتعرف مكانك ومكانتك، وأوقات الخصام هي اللحظات الأصدق لاختبار عمق أو هشاشة الصداقة، والحب بين طرفين.


