الدرس الأهم من نصر أكتوبر المجيد
نحتفل تلك الأيام بالذكرى الـ52 لانتصار أكتوبر المجيد، هذا النصر الذي لم يأت من فراغ، أو عن طريق صدفة عابرة، بل نتيجة جهود وتخطيط وتدريب وتكتيكات استراتيجية، وعسكرية، لكل تشكيلات القوات المسلحة، وكذلك الروح والإرادة القوية والتضحية من كل أبناء الشعب المصري الذي ساند قواته المسلحة حتى تحقق النصر العظيم.
كانت النكسة مريرة وقاسية على جميع المصريين، وقواتنا المسلحة، التي لم تستسلم ونفضت غبارها سريعا، وكانت معركة رأس العش رسالة أننا لن نفرط ولن نستسلم لتلك النكسة، وكانت حرب الاستنزاف والقيام بعمليات خاطفة خلف خطوط العدو، وعمليات مخابراتية مدوية كلفت العدو خسائر فادحة، حتى استنجد بحليفته الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الحرب فكانت مبادرة روجرز.
وفي تلك الأثناء تم إعادة هيكلة الجيش المصري، والاستعداد للمعركة القادمة، استعدادا لساعة الصفر، كما تحملت مدن القناة هجمات العدو التي اعتبرها ورقة ضغط لإحباط عزيمة المصريين، فكانت عمليات التهجير لهم لمنع كسر عزيمة المصريين.
وسيظل يوم السادس من أكتوبر مصدر فخر لكل المصريين، يوم أن تحدوا المستحيل، وقهروا العدو الصهيوني، ووأدوا أسطورته المزعومة بأنه لا يهزم، وقت أن حطموا خط بارليف وتحصيناته المنيعة، ورفع العلم المصري على الضفة الغربية من القناة، وفوق أرض سيناء الحبيبة.
6 سنوات بين النكسة والنصر لم يرضخ فيها المصريين، بل استعدوا جيدا لتلك اللحظة، وأخلصوا النية جميعا أنهم مشروع شهداء، لن يبخلوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل عودة الأرض، ورفع هامتهم عالية.
كنت سعيد الحظ ولي الشرف بمقابلة البعض من أبطالنا من القوات المسلحة ضباط وأفراد، وسمعت منهم بقلبي وعقلي ذكرياتهم الراسخة في عقولهم بكل تفاصيلها عن تلك الحرب المجيدة، وما قبلها من حروب خاضوها، لم ينتظروا نياشين النصر تزين صدورهم، ولا كلمات الإشادة والاعجاب، بل كان همهم أن يسلمونا الوطن كاملا بحدوده، وكثيرا ما أوصونا أنهم أدوا دورهم، وأن علينا الآن أن نحمل مشاعل النصر منهم، وأن نحقق انتصارات أخرى في التعمير والبناء لرفعه ونهضة وطننا وأمتنا.
ملايين الصفحات لا تكفي للحديث عن أبطال نصر أكتوبر، وكيف ضحوا بأرواحهم ولم يهابوا الموت، كيف تحملوا كل الضغوط والتدريبات في سبيل معركة النصر، لقد سمعت وقرأت حكايات تقشعر منها الابدان، ويخفق القلب ويرتجف من قوة شجاعتهم وثباتهم وصمودهم وقوتهم وعزيمتهم الصادقة، لقد دخلوا المعركة لا يريدون سوي النصر، فتحقق لهم نصر عظيم، وسجلت تضحياتهم بحروف من نور لتظل نبراسا للأجيال القادمة، ولتعيش حكايتهم مادامت الحياة قائمة.
لقد حققت قواتنا المسلحة يؤازرها الشعب المصري كله أعظم انتصاراتنا بالعبور العظيم، وما نحتاجه اليوم هو استحضار تلك الروح المعنوية العالية، روح التصميم والعزيمة علي الانتصار، وان كنا انتصرنا في معركة عسكرية، يجب علينا الان ان ننتصر في معركة البناء والتعمير.
لا ننكر كل الجهود التي أقامتها الدولة خصوصا في عهد الرئيس السيسي في سيناء خصوصا وعموم مصر من مشاريع قومية عملاقة، وإقامة مدن جديدة، وشبكة قومية من الطرق والانفاق ومحطات الكهرباء والمعالجة وتحلية المياه، وغيرها من المشاريع التي لا تعد ولا تحصي لتحويل تلك الأرض الطيبة التي رويت بدماء أبناء الشعب المصري الي جنه خضراء تدب فيها الحياة وينعم شعبنا بالاستقرار والرخاء.
ما تم كثير ولكن أمامنا تحديات أكثر وخصوصا ونحن نعيش في منطقة ملتهبة ومليئة بالصراعات، ووضع إقليمي وعالمي يتطلب منا اليقظة والوحدة والاعتصام والترابط لحماية مقدراتنا، ووحدتنا، وإرثنا الحضاري والتاريخي، وأن نقف صفا واحدا لصد كل الشائعات التي تهدد تماسكنا، وأن نعلي مصالح الوطن فوق كل المصالح الشخصية، وان نقف سدا منيعا لصد أي خطر يهدد أمننا القومي.
وفي ظل وضع اقتصادي صعب يجب أن نكتب انتصارا جديدا لنحقق رؤية جمهوريتنا الجديدة والارتقاء بكل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئة، وهذا تحدٍ كبير يستدعي استحضار تضحيات الآباء وروح أكتوبر المجيدة، لنسخر قدرتنا وعقولنا لاستغلال ثروتنا البشرية والطبيعية وكل مقدراتنا لتحقيق نهضة جمهوريتنا الجديدة.
نحن مصر البلد الكبير صاحب الإرث التاريخي والحضاري العظيم، الذي علم الدنيا كلها العلوم وكانت حضارته الشاهد على عظمته، ويجب أن نسير على خطى الأجداد لتعود بلادنا إلى ريادتها ومكانتها، ولن يتحقق ذلك إلا بسواعدنا وإخلاص شعبنا العظيم، فارفع رأسك فوق أنت مصري، وابن مصري وجدوك مصريين، وتاريخنا سيظل يشهد بعظمتنا وحاضرنا نحن من نسطره بسواعدنا.
حفظ الله الوطن ورفع هامته دائما وابدا عالية.


