الطاقات المؤهلة.. قوة معطلة تنتظر الانطلاق
في كل دولة تسعى للنهوض، يكون الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، في عقله، في فكره، وفي قدراته. ومن هنا تأتي رؤية الدولة المصرية في تأهيل كوادر من السيدات والشباب، الأكثر كفاءة ومرونة، عبر برامج تدريبية على أعلى مستوى، وبمنح كاملة تتحملها الدولة، إيمانًا منها بأن هؤلاء هم المستقبل وركائز بناء الجمهورية الجديدة.
لقد أنفقت الدولة مبالغ هائلة ليس عبثًا، بل لتزويدهم بالخبرة المطلوبة، وفن الإدارة، وأدوات القيادة، وإكسابهم القدرة على مواجهة التحديات، خضعوا لتدريب متواصل، طويل المدى، يشمل أحدث أساليب الإدارة والحَوْكمة والابتكار، فصاروا مؤهلين ليكونوا قاطرة تغيير حقيقية في الجهاز الإداري.
لكن ما يؤلم، وما يثير علامات استفهام كثيرة، هو أن هؤلاء الشباب والسيدات – بعد كل هذا الاستثمار العظيم – يعودون إلى أماكن عملهم ليُواجَهوا بالتجاهل والتهميش. يوضعون على الهامش، وكأن شيئًا لم يكن. بل والأدهى من ذلك، أن بعض القيادات التقليدية لا تحاول حتى الاستفادة منهم، ولا تفتح لهم أبواب المشاركة فيُترَكون مقيدين، بينما تُمنَح المناصب أحيانًا لمن هم أقل كفاءة وأقل وعيًا بمتطلبات المرحلة.
كيف لدولة بحجم مصر، بتاريخها العريق وطموحاتها الكبرى، أن تُضيّع مثل هذه الطاقات المدربة؟، وكيف نقبل أن يُستبعَد من تم إعداده علميًا وعمليًا ليحل محلّه من لا يمتلك نفس الرؤية ولا نفس القدرات؟ هذا خلل يفتح المجال أمام الفساد الإداري ويعيق مسيرة الإصلاح.
لكن الأخطر من التهميش نفسه، أن هذه العقول المدربة إذا لم تجد التحفيز المستمر والمهام الفعلية التي تليق بها، فإنها تعود تدريجيًا إلى حالة الركود والرتابة، وكأنها لم تتلقَ أي تدريب، فالعقل البشري يحتاج إلى تحديات دائمة ليبقى متقدًا ومبدعًا، وإهمال هذه الطاقات يعني إهدارًا مزدوجًا: إهدار لما أنفقته الدولة، وإهدار لما في داخلهم من قدرات كامنة.
إن الحل يكمن في قرار جريء، وهو تكليف هذه الكفاءات فورًا بمواقع حقيقية، تمكنهم من إعادة هيكلة الجهاز الإداري، وحوكمة مؤسساته، ووضع منظومة صارمة تحد من الفساد وتنهض بالأداء، فالعالم لا ينتظر، والمستقبل لا يصنعه المترددون ولا البيروقراطيون، بل يصنعه أصحاب الإرادة والمعرفة والكفاءة.
إن مصر تستحق أن يقودها أبناؤها الذين تم إعدادهم بوعي، لا أن يُترَكوا على مقاعد الانتظار. فالتاريخ لا يرحم، والأجيال القادمة لن تغفر التفريط في هذه الطاقات، ورسالتي يا من بأيديكم القرار لا تتركوا الكفاءات حبيسة الأدراج ولا تسمحوا أن تُدفن الطاقات في الظل أعطوا الفرصة لأبناء الوطن الذين صقلتهم التجربة والتدريب فهم ليسوا عبئًا بل قوة قادرة على التغيير، ومصر الجديدة لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها المؤهلين، وكل يوم يمر دون استثمارهم هو خسارة للوطن كله


