أحمد حمدي يكتب: ترامب وجائزة نوبل.. طفل يريد شراء دمية
يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحصول على جائزة نوبل بأي ثمن، ولهذا فرض نفسه على العالم كرجل سلام، كما يصور نفسه للشعوب أنه الرجل الذي يوقف الحروب بكلمة واحدة، يصمت الجميع حينما يتحدث، ينصت الجميع لكلمات الرئيس الأوحد، ولكن لا يرى نفسه بأعين العالم الذي رأى فيه طفلا يريد دمية من متجر، ويصر على شرائها بالبكاء دون مراعاة أي شيء آخر.
وفي خضم الحديث عن جائزة نوبل التي سيتم الإعلان عن الفائز بها 10 أكتوبر، يترقب الجميع قرارا بإنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال في غزة والضفة والأراضي الفلسطينية، ومن سخرية القدر أن يربط ترامب فوزه بـ نوبل بإطعام الجوعى وإغاثة صغار وشيوخ غزة من الإبادة، لذا فإن طرحه جاء في توقيت تم اختياره بإتقان كي يعلن فيه عن خطته لوقف حرب غزة.
خطة ترامب التي شملت عددًا من البنود أهمها وقف الحرب مقابل الإفراج عن الأسرى، أعلنت الفصائل الفلسطينية الموافقة عليها بشكل غير متوقع، ولكنها ذكرت أنها وافقت على تسليم الرهائن مقابل إنهاء الحرب، كما وافقت على انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة دون إلقاء سلاح أو التطرق لذلك، كما وافقت على سلطة فلسطينية لحكم غزة دون وجود أي قوى دولية أو حتى مناقشة ذلك، ووافقت على خطة إعمار غزة من منظور وطني دون تهجير للشعب الفلسطيني، لتؤكد الثوابت الفلسطينية والعربية المصرية تجاه ذلك.
حماس التي قالت إنها تشكر جهود الوسطاء العرب من مصر وقطر، وافقت على الخطة المصرية لإدارة غزة وذلك وفقا لقيادي في الفصائل، كما أنها أقرت الموافقة على الخطة بعد تدخل شخصية مصرية قانونية ذات ثقل قامت بصياغة وهندسة الرد الفلسطيني على ترامب وذلك وفقا للكاتب الصحفي المصري محمد خيال، ووفقا لبيان حماس، هناك حرب سياسية كبرى تقوم بها حماس تحاول الخروج منتصرة بإنهاء الحرب وعدم تهجير الشعب الفلسطيني، وإقرار حكومة وطنية في غزة، فضلا عن دعم الجهود المصرية العربية لإعادة إعمار غزة وهو ما سعت مصر إليها خلال الشهور الماضية.
ترامب الذي فاجأ الجميع ببيان صرح فيه بأنه على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، بعد الموافقة الفلسطينية على خطته، يترقب الإعلان عن نوبل السلام، وترامب الذي سارع بالترحيب ببيان حماس الذي أعلنت فيه الموافقة على إطلاق سراح جميع الرهائن بشروطه، سيواجه مصاعب مع المدللة إسرائيل، لكنه بالتأكد بعد شرائه دمية نوبل، سيعمل على مناقشة باقي القضايا المتعلقة بإدارة غزة ونزع السلاح.
ترحيب ترامب ببيان حماس كان على غير المتوقع لدى تل أبيب، فرؤية تل أبيب لبيان حماس كان بيان رفض للخطة وليس موافقة، لذا قالت وسائل إعلام عبرية إن نتنياهو تفاجأ من ترحيب ترامب، ولكنه سرعان ما قال رئيس الوزراء إنه موافق على بيان حماس كمرحلة أولية مما يضع أمامنا رأيا مطروحا أن ترامب قد يغير خططها بعد الفوز بـ نوبل، فلما لا تكون موافقة ترامب على رد حماس وإصدار تكراره لجيش الاحتلال بوقف الحرب، قربانا للجائزة التي سيعلن عنها في 10 أكتوبر الجاري، فكما ذكرت ترامب طفل يريد دمية ولا ينظر إلا إليها، فلماذا لا يتغير مزاج هذا الطفل بعد الفوز بالجائزة والتراجع عن نواياه تجاه الحرب في غزة؟.
وهنا يأتي الدور العربي، إذ تلا إعلان حماس موافقتها، بيانٌ مصري صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أكدت فيه أن حماس قامت بدور وطني كبير بالموافقة على خطة ترامب. كما أكدت مصر أنها مستعدة للاضطلاع بدورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال الدعوة إلى مؤتمر فلسطيني-فلسطيني لجمع الشمل وتوحيد الرؤى حول غزة ما بعد الحرب، ومن سيُدير غزة في اليوم التالي لنهاية الحرب.
مصر التي وقفت ضد التهجير، هي ذاتها التي تقف اليوم لحماية الأمن القومي العربي، بفرض خطتها لإعادة الإعمار في غزة دون تدخل دولي. وهذا ما أكده وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الذي يقوم بدور حاسم ورئيسي في تنفيذ الرؤية المصرية، حيث شدد على أن إدارة غزة ستكون فلسطينية بعد الحرب. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما تقوم به مصر في الوقت الراهن من تدريب أشخاص فلسطينيين لتولي السلطة في غزة، وكذلك تدريب آخرين لتولي الملف الأمني فيها. كما لا بد أيضًا من التنويه إلى مؤتمر إعمار غزة الذي أعلنت مصر عقده بعد وقف الحرب، حيث تجهز لدخول القطاع المنكوب لإعادة الإعمار.
ولكن هذا الدور الذي قامت به مصر، بالتأكيد لن يكون كافيًا، فهناك دور كبير جدًا يقع على عاتق كل من مصر وقطر والسعودية، يتمثل في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للامتثال لمطالب الشعب الفلسطيني بإنهاء الحرب. فبالتأكيد، جيش الاحتلال بقيادة نتنياهو لن يوافق بسهولة على إنهائها، كما أن نتنياهو، الذي تفاجأ برد ترامب حول وقف الحرب، سيحاول تفجير أي حدث لإشعالها من جديد، حتى لا يواجه الداخل الإسرائيلي في تل أبيب. كل يوم تستمر فيه الحرب، سيكون نتنياهو قادرًا على العيش ساعات خارج السجن، واليوم الذي ستتوقف فيه الحرب، سيكون فيه نتنياهو داخل القفص.
لذا، فإن الدور المنتظر من الدول العربية هو الضغط بكافة الأوراق على الرئيس الأمريكي للوقوف في وجه نتنياهو لوقف الحرب، وإتمام ما بدأت به الفصائل الفلسطينية من خلال موافقتها على خطة ترامب. ولكن، هل سيكون لنتنياهو دور أكبر في الضغط على ترامب لتغيير موقفه بعد حصوله على "دمية نوبل"؟ هذا هو السؤال المطروح في نهاية هذا المقال، والذي سيتضح منتصف هذا الشهر.


