في اليوم العالمي للمعلم.. المعلمون بين مسؤولية التطوير ومطالب الاستقرار والأمان| تقرير
خلال السنوات الأخيرة، أثبتت التجربة المصرية في تطوير التعليم، أن المعلم ليس أداة لتنفيذ التوجيهات، بل شريك أصيل في رسم السياسات، وتطبيق الرؤى، وتحقيق أهداف التطوير، وذلك لما بذله المعلمون من مجهودات ليس فقط بصفتهم منفذي السياسات التعليمية، بل كصناع للتطوير، وشركاء حقيقيين في صياغة مستقبل التعليم.
وخلال السنة الأخيرة وتحديدًا في عهد محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، أصبح المعلم في قلب عملية الإصلاح، مشاركًا بفاعلية في بناء المناهج الجديدة، وتطوير أدوات التعليم والتقييم، وصولًا إلى التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
المعلم شريك في صياغة المناهج بفاعلية لأول مرة
لأول مرة، تمت الاستعانة بالمعلمين بشكل مباشر في وضع وصياغة المناهج التعليمية الجديدة. لم يكن دورهم تنظيميًا أو تنفيذيا فحسب، بل شاركوا في ورش العمل، وأبدوا آراءهم في المحتوى، وساهموا في مواءمته مع الواقع المدرسي واحتياجات الطلاب.
كما تم اختيار نُخبة من المعلمين لتجربة هذه المناهج ميدانيًا، وقياس مدى فاعليتها وتقييمها قبل تعميمها، وهو ما أضفى على المناهج طابعًا واقعيًا عمليًا مستندًا إلى تجارب الصف الدراسي الفعلية.
التدريب على المناهج الجديدة من التلقين إلى الفهم
وفي إطار التحول من الحفظ والتلقين إلى مهارات التفكير والفهم، خضع المعلمون لتدريبات تخصصية على المناهج المطورة، وتم تصميم برامج تدريبية موسعة تناولت أهداف المناهج، واستراتيجيات التدريس النشط، وكيفية تنمية مهارات التفكير الناقد والإبداعي لدى الطلاب، بما يتماشى مع توجهات تطوير التعليم في مصر.
التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي استثمار حقيقي في المعلم
وفيما كانت وزارة التعليم تواكب التطورات التكنولوجية، سعت إلى تأهيل المعلمين على أدوات الذكاء الاصطناعي، والبرمجة، والتعلم الرقمي، حيث أطلقت الوزارة بالتعاون مع شركاء دوليين ومحليين برامج تدريب رقمي مكثفة، إلى جانب إنشاء منصة كويور للذكاء الاصطناعي، التي يشارك فيها المعلمون بفعالية في المحتوى وإعداد الأدوات التعليمية الذكية.
الوزارة استثمرت في المعلم باعتباره الوسيط الأهم بين التكنولوجيا والطالب، فوفّرت له بيئة تعلم رقمية، وتدريبات على استخدام المنصات والمنهجيات الرقمية.
دور المعلم في تقييم وتطوير الأداء
ورغم العبء الذي مثّلته التقييمات المتعددة، كان المعلم في قلب منظومة التقويم الجديدة، والتي تستهدف فهم نواتج التعلم الفعلية، وليس مجرد درجات ورقية، حيث تحمل مسؤولية تنفيذ المتابعة المستمرة، والاختبارات التكوينية، والتقارير المرحلية، ما تطلب جهدًا مضاعفًا في المتابعة والتوثيق.
وبرغم ذلك، التزم آلاف المعلمين بجدول التقييمات وساهموا في إنجاح المنظومة، مع حرص الوزارة لاحقًا على إعادة النظر في تقليل الضغط الناتج عن كثرة التقييمات المتكررة.
نجاح برنامج تنمية مهارات القراءة المعلم في الصفوف الأولى
أطلقت الوزارة برنامجًا وطنيًا لمعالجة ضعف القراءة والكتابة لدى طلاب المرحلة الابتدائية، بالتعاون مع منظمة يونيسف مصر، وكان للمعلمين دور حاسم في تطبيق البرنامج، من خلال تنفيذ وحدات التدريب المكثفة، وتطبيق الأدوات داخل الفصول، ومتابعة تقدم الطلاب، حيث ساهموا بجدية في رصد التحديات، واقتراح الحلول، ما أدى إلى نجاح المرحلة الأولى من البرنامج، وتحقيق نتائج ملحوظة في تحسين مستويات الطلاب في القراءة.
الدبلوم المهني لمعلمي التوكاتسو.. تعاون مصري ياباني لتكوين جيل جديد من المعلمين
في سابقة هي الأولى، أُطلق أول دبلوم مهني لإعداد معلم التوكاتسو بالتعاون بين جامعات مصرية وجهات تعليمية يابانية، وتُركّز فلسفة التوكاتسو على بناء شخصية الطالب، وتعزيز التعاون والانضباط والمسؤولية، حيث تم اختيار عدد من المعلمين لتلقي هذا النوع من التدريب المتقدم، ما يعكس الثقة في قدرتهم على نقل تجربة التعليم اليابانية إلى المدارس المصرية.
سفراء التطوير.. المعلم قائد في ميدانه
أطلقت الوزارة مشروع سفراء التطوير، والذي يعتمد على تدريب نخبة من المعلمين ليكونوا قادة تطوير داخل مدارسهم، حيث يتولى هؤلاء السفراء مسؤولية تدريب زملائهم، وتفسير المناهج الجديدة، ومتابعة تطبيق السياسات التعليمية، وهذه الخطوة عززت مبدأ التطوير من الداخل، وجعلت من المعلم عنصرًا محوريًا في نشر ثقافة الجودة والتطوير داخل المؤسسة التعليمية.
مواجهة الدروس الخصوصية المجموعات المدرسية كبديل محترم
وفي محاولة جادة للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، شجعت الوزارة المعلمين على قيادة مجموعات الدعم المدرسية، والتي تقدم شرحًا منظمًا ومقننًا داخل المدارس، بأسعار رمزية، وتحت إشراف كامل، وهو ما لاقى استحسان أولياء الأمور، خاصة مع توفير بيئة تعليمية آمنة ومنضبطة داخل المدرسة، بقيادة المعلمين أنفسهم.
مطالب مشروعة ترافق جهود التطوير
رغم المشاركة الواسعة والفعالة من المعلمين في مشروع تطوير التعليم، لم تغب مطالبهم المهنية والمالية والاجتماعية، والتي يرون أنها ضرورية لاستمرار عطائهم وتحقيق العدالة الوظيفية داخل المنظومة.
رافقت هذه المجهودات، مجموعة من المطالب التي يأملون في الاستجابة لها سواء خلال اللقاءات النقابية والتعليمية، وأبرزها كالتالي:
إلغاء تجميد أساسي الراتب على عام 2014، وربطه بأساسي السنة المالية الحالية، بما يتماشى مع التغيرات الاقتصادية والزيادات العامة.
احتساب معاش المعلم بنسبة 80% من آخر أجر شامل، لضمان حياة كريمة بعد التقاعد.
تحسين بيئة العمل داخل المدارس، سواء من حيث الكثافات، أو البنية التحتية، أو الإمكانيات، بما يساعد المعلم على أداء مهامه بكفاءة.
حماية المعلمين من الاعتداءات داخل المدارس وخلال لجان الامتحانات، وضمان وجود آلية قانونية رادعة تحميهم خلال أداء واجبهم.
سد العجز في أعضاء هيئة التدريس من خلال تعيين معلمين مؤهلين ومدربين، خاصة في المواد الأساسية والمراحل الحرجة.
إلغاء الحساب الموحد للمدارس، لما له من تأثير على صلاحيات الإدارة المدرسية وقدرتها على تسيير الأمور اليومية.
رفع مكافأة الامتحانات إلى ما يعادل 5 أشهر من إجمالي الأجر الشامل للسنة المالية الحالية، أسوة بباقي الفئات التي تحصل على مكافآت مجزية.
تعميم الأحكام القضائية الخاصة بتعديل الأجر الأساسي على جميع المعلمين دون اشتراط رفع دعاوى فردية، تحقيقًا للمساواة وتوفيرًا للوقت والجهد.
استحداث مكافأة نهاية خدمة مجزية من خلال بوليصة تأمين مشتركة بين الوزارة والمعلم، تحفظ للمعلم قدره بعد سنوات العطاء الطويلة.
هذه المطالب، كما يراها المعلمون، لا تتعارض مع مسار الإصلاح، بل تمثل أساسًا لتحقيق الاستقرار المهني والنفسي والاجتماعي الذي ينعكس بالضرورة على جودة العملية التعليمية.



