في ذكرى نصر أكتوبر.. وحدتنا سلاحنا الذي لا يصدأ
دائمًا ما كانت الوحدة هي البداية، هي الخطوة الأولى في طريق النصر، وهي السر الحقيقي وراء كل مجد عاشته أمتنا، التي ما إن تتوحد، وتلتف حول راية واحدة، لا يبقى أمامها شيء مستحيل.
في أكتوبر 1973، لم تكن مصر وحدها التي تقاتل، كانت سوريا تقف على جبهة الجولان، تخوض معركتها بشجاعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع عبور الجيش المصري لقناة السويس وتحطيم خط بارليف، بتنسيق كامل بين البلدين.
في نفس التوقيت الذي استقبلت فيه مصر الدعم الجزائري والليبي، كما لا ننسى أبدًا الموقف العربي الخليجي الذي استخدم سلاحًا من نوع آخر، عندما أوقف تصدير النفط للكيان وللدول الداعمة له.
يوم السادس من أكتوبر أثبت للدنيا بأسرها أن التنسيق العربي عندما يكون حقيقيًا، يصنع المعجزات، لذلك لا يريدون لهذه الأمة أن تتوحد تحت راية واحدة "أيًا كانت" من جديد.. لأن فرقتنا سر وجودهم، ووحدتنا تعني فنائهم، فالعرب حين يتحدون لا يهزمون أبدًا.
عزيزي القارئ يجب أن ندرك أن نصر أكتوبر العسكري لم يكن وحده هو المكسب، بل الشعور العام الذي عاشته الأمة حينها بعدما أيقنت أنها تستطيع أن تتكلم بصوت واحد، وأن ما بيننا من خلاف مهما طال يمكن تجاوزه، وإن فرّقتنا مسألة فهناك آلاف القضايا تجمعنا.
اليوم، وبعد 52 عامًا، تبقى أهم دروس حرب أكتوبر واضحة كالشمس في ضحاها.. أننا لن ننتصر إلا إذا اتحدنا اتحادًا حقيقيًا، وليس شعارًا يطلق في الفضاء، ولا خطبة لكسب بعض التعاطف الزائف، بل ضرورة حتمية خاصة في هذا التوقيت.
لكن هناك سؤالًا ملحًا يفرض نفسه.. كيف يتحد العرب وقد اختلفت الغايات وتبدلت الطموحات؟
للأسف هذا لن يكون أبدًا دون أن يبدأ بتصالح داخلي شامل، يحل محل التنافر والتراشق، ولغة التخوين السائدة في مجتمعاتنا، تلك الآفات التي ما إن تخلصنا منها إلا وعادت الروح للجسد من جديد، واستعدنا روح أكتوبر الغائبة منذ عقود، لأننا أمة لم تنتصر يومًا بعدة أو عتاد، إنما بإيمانها ووحدتها والتاريخ على ذلك خير شهيد.
الشيء بالشيء يذكر، ولأن أكتوبر بعد أن كان عيدًا يهوديًا، أصبح كابوسًا لا يمكن أن يتداوى منه الاحتلال، ففي السابع من أكتوبر 2023، تذكر العالم مرة أخرى أن القوة لا تكمن في السلاح وحده، لكن في الإرادة حين تولد، والغايات حين تتوحد، وأن الشعوب التي تعرف بوصلتها جيدًا لا تهزمها قوة الآلة العسكرية ولا الدعم الخارجي.
في النهاية، هذا لا يعني أن الطريق كان ممهدًا لاستعادة الأرض، وفرض الكبرياء، وقهر العدو، بل كان محفوفًا بالأشواك والدماء الزكية التي ارتوت بها أرض سيناء الحبيبة، دماء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تتجدد لهم التحية كل عام في ذكرى النصر العظيم، الذي أعاد العلم المصري ليحلق من جديد فوق سماء أرض الفيروز، ويقول للعالم كله أننا شعبًا لا يعرف المستحيل، وجيشًا يلين له الحديد، وجندًا لا ينحني لغير الله.



