من كرسي متحرك إلى أول خطوة.. القاهرة 24 داخل مجمع الإعاقة الشامل بعين شمس حيث تتنفس الأمهات الأمل
بين جدران هادئة يملأها صوت الأطفال وضحكات متقطعة، تمتد رحلة إنسانية لا تشبه سواها، أبطالها أمهات حملن الألم على أكتافهن، وانتظرن في صبر معجزة تتحقق على مهل، في مجمع خدمات الإعاقة الشامل بعين شمس، تتقاطع الحكايات بين دموع وفرح، بين خطوات أولى ونطق أول حرف، وبين قلوب تعرف أن الشفاء أحيانًا يبدأ من مكان يصدق في إنسانيته.
في كل زاوية داخل مجمع عين شمس، ورغم تواضع المكان وموارده، هناك حكاية جديدة لأمٍ تنتظر كلمة أو خطوة، وطفلٍ يحارب بطريقته، الممرات تمتلئ بضحكات صغيرة متقطعة، والأخصائيون يتحركون بخفة بين الغرف يحملون ملفات وجداول، والأمهات يحملن الأمل كأنهن يحملن الحياة نفسها.
كانت لمياء السيد تقطع المسافة يوميًا من مدينة السلام إلى عين شمس، تحمل بين يديها أملًا وطفلين؛ أحمد وصفا، كلاهما يعاني من مشكلة في المخ تجعل الحركة بالنسبة له حلمًا بعيدًا، ومنذ عامٍ كامل، لم تهدأ خطواتها بين محطات المترو ومقاعد الانتظار، بحثًا عن جلسة علاج تنقذ ما تبقى من طفولة مهددة بالعجز.
من داخل مجمع خدمات الإعاقة الشامل بعين شمس، التقى القاهرة 24، الأم لمياء السيد، لتسرد رحلة علاج طفليها داخل المجمع: «دخلت بابني المكان وهو على كرسي متحرك، دلوقتي بيتحرك لوحده، وبيطلب الطلب بلسانه بعد ما كان بيشاور بإيده، ومن ساعة ما بدأ الجلسات هنا حالته اتغيرت خالص».
لمياء لم تصل إلى المجمع بخطة مسبقة، بل بالصدفة البحتة، حيث كانت تسعى لاستخراج بطاقة الخدمات المتكاملة لابنها، فوجدت نفسها أمام مجمع يضم مؤسسات علاجية وتعليمية بأسعار رمزية، فقررت أن تمنح أطفالها فرصة جديدة للحياة.
وتردف: «كنت بدفع في الجلسة الواحدة بالمراكز الخاصة أو الحكومية 100 جنيه، دلوقتي بـ 50 بس، ومع فرق شاسع في الخدمة.. ابني بقى يصحى الصبح يقولي يالا يا ماما نروح للدكتورة، من كتر ما بيحبها، حتى في البيت، لما بحتاج منه حاجة ومش بيسمعني، أول ما أقوله اسم الدكتورة بيستجيب، الناس هنا فاهمين شغلهم وبيتقوا ربنا فينا».
داخل المجمع، المشهد يشبه لوحة من الأمل، في الساحة الأمامية، نباتات خضراء تحيط بالممرات، وأصوات الأطفال تتداخل مع نداءات الأمهات وأحاديث الأخصائيين، المكان يعج بالحركة، لكنه يحمل طمأنينة نادرة؛ طاقة مختلفة من الرعاية والرحمة والانضباط.
هنا، يعمل فريق كبير من المختصين، كلٌ في مجاله، ضمن منظومة تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي.. تقول سحر حسين، مدير مجمع خدمات الإعاقة الشامل بعين شمس والتابع للمؤسسة القومية لتنمية الأسرة والمجتمع التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، خلال حديثها مع القاهرة 24.
وتوضح أن المجمع يضم 9 مؤسسات ومراكز متخصصة، منها مركز الشلل الدماغي، ومركز التوحد، ومؤسسات التثقيف الفكري والتأهيل المهني، بالإضافة إلى وحدات للتدخل المبكر ومكتب التأهيل وحضانة دامجة للأطفال من ذوي الإعاقة وغيرهم.
وعن الإقبال على المجمع، تشير مدير المجمع إلى أن الإقبال يتزايد يومًا بعد يوم، فالمكان أصبح مقصدًا رئيسيًا للأسر الباحثة عن رعاية متخصصة بأسعار في متناول اليد، مردفة: «السعة الاستيعابية للمؤسسات الداخلية بتوصل لـ 25 فرد، وهي مكتملة حاليًا، أما المؤسسات الأخرى فتستوعب حتى 80، والمراكز بيجيلها ما بين 80 و85 متردد بصفة منتظمة، بخلاف الحضانة الدامجة اللي فيها حوالي 45 طفل وسعتها 60».
وتضيف أن هذه الأرقام تعكس ثقة الأسر في المكان، خصوصًا بعد ما لمسوا الفارق في الخدمات وجودة المتابعة، مؤكدة أن عدد المستفيدين سنويًا يتجاوز ألفين شخص من ذوي الإعاقات المختلفة، ما بين جلسات علاج طبيعي، وتأهيل مهني، وتنمية مهارات، وتخاطب، وعلاج وظيفي.
وحول أسعار الجلسات العلاجية داخل المجمع، توضح أن الرسوم يجري تحديدها بعد بحث اجتماعي دقيق، وسعر الجلسة 50 جنيه بس، مقابل 200 أو أكتر في المراكز التانية، والجلسات بيقدّمها أخصائيين على أعلى مستوى».
وعلى مقعد خشبي بجوار إحدى قاعات العلاج الوظيفي، جلست أسماء أحمد تتابع طفلتها سلمى ذات العشر سنوات، بعينين فيهما خوف وطمأنينة في آنٍ واحد.
سلمى تعاني من تأخر ذهني، لكنها منذ عام ونصف بدأت تتغير شيئًا فشيئًا، حسب قول الأم، مردفة: «قبل ما نيجي هنا، بنتي ماكنتش بتنطق خالص، دلوقتي بتنطق الحروف والكلمات.. الوعي والإدراك عندها بقى أحسن بكتير.. هي عمرها عشر سنين، بس إدراكها بقى زي بنت عندها أربع أو خمس سنين.. ده بالنسبالي إنجاز كبير».
عرفت أسماء المجمع يوم افتتاحه من قبل وزيرة التضامن، وجاءت على الفور، وكانت حينها تتردد على المراكز الخاصة التي كبلتها بمبالغ هائلة: «كنت بدفع مبالغ كبيرة في المراكز الخاصة، وكنت كل شهر أخصص ميزانية ضخمة عشان الجلسات، ومع ذلك مكانش فيه نتيجة.. أما هنا الخدمة أفضل، والسعر بسيط، والمكان مريح جدًا، حتى الزرع والممرات بيريحوا النفس».
