من الرمال الميتة إلى الأرض الحية.. حقن التربة بالطين قصة مشروع مصري يوفر الأسمدة و60% من مياه الري
أكد الدكتور علي عبد العزيز، الأستاذ المساعد للاحتياجات المائية بشعبة مصادر المياه والأراضي الصحراوية في مركز بحوث الصحراء، ورئيس مشروع حقن التربة الرملية بالطين، أن مشروع إيجيبت كلاي لـ حقن التربة الرملية بالطين هي الحقيقة التي انتصرت على وهم النانو كلاي.
وقال عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24: في الوقت الذي يسعى فيه البعض بقوة لتسويق النانو كلاي السائل كحل سحري لأزمة الصحراء، كانت مجموعة من الباحثين المصريين تتبع مسارًا مختلفًا، هذا المسار الطويل بدأ كفكرة في عام 2013، وتطور ليصبح مشروعًا تطبيقيًا ضخمًا أعاد تعريف معادلة استصلاح الأراضي الرملية في مصر، وهؤلاء العلماء لم يسعوا وراء الشهرة، بل ركزوا على إيجاد حل عملي ومستدام يحوّل الرمال إلى تربة حيوية قادرة على الزراعة والاحتفاظ بالحياة، هكذا نشأ مشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين، ليثبت أن "إيجيبت كلاي" هو الواقع الملموس، بينما "النانو كلاي" لا يعدو كونه وهمًا براقًا يتلاشى أمام الاختبار العملي.

من فكرة جريئة إلى إنجاز وطني
وأضاف: انطلقت الفكرة الجريئة في مركز بحوث الصحراء عام 2013، متسائلة: لماذا لا نستطيع استعادة قدرة التربة الرملية على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية، تمامًا مثل أراضي الدلتا الخصبة؟ تحولت الفكرة إلى بحث تطبيقي في 2014، وحصلت على تمويل من مؤسسة مصر الخير في 2017، لتبدأ المراحل الأربع للتطبيق العملي على مدى سنوات من التجريب والتحسين.
وأوضح: في المرحلة الأولى، انطلق الفريق في رحلة استكشاف شاقة لتحديد مصادر الطين في مصر. تم التفكير في بحيرة ناصر كمصدر مبدئي، لكن عمقها الكبير (180 مترًا) وتكاليف استخراج الطين المرتفعة للغاية جعلته خيارًا غير اقتصادي. كما أن الطين السائد فيها (الكاؤولينايت) لم يمتلك الخصائص المثالية لتحسين الأراضي الرملية، كما تم دراسة نواتج تكريك الترع والمصارف، لكن تم استبعادها لكونها مشبعة بالملوثات والمعادن الثقيلة وبذور الحشائش، حرصًا على نقاء الأراضي الصحراوية البكر.
وأكمل: كان البديل هو الاعتماد على المصادر الجيولوجية الجافة المنتشرة في الصحاري المصرية، حيث تم العثور على خامات طينية غنية يمكن تكسيرها وطحنها لاستخلاص حبيبات السلت والطين منها. تم حصر هذه الخامات وتحليلها وتوثيق مواقعها على الخريطة الجيولوجية لتحديد أفضل المواقع لإنشاء خطوط إنتاج تخدم المحافظات بتكلفة نقل مخفضة.
تكنولوجيا الإنتاج والحقيقة الصادمة للنانو
ونوه إلى أنه في المرحلة الثانية، تم إنشاء خط الإنتاج "قادر 1" في مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح. هذا الخط هو الأول من نوعه القادر على تحويل الصخور الهشة إلى حبيبات سلت وطين جاهزة لعملية الحقن. والجدير بالذكر أن هذا الخط مُجهز أيضًا بوحدة متقدمة لاستخلاص جزيئات النانو كلاي، مما يؤكد امتلاك الفريق المصري للقدرة العلمية على إنتاجها.

وتابع: لكن المفارقة حدثت بعد التجريب: اكتشف الباحثون أن النانو كلاي غير فعال زراعيًا ولا مجدٍ اقتصاديًا على الإطلاق.
وأكد: تمحورت المرحلة الثالثة حول تطوير تكنولوجيا حقن دقيقة لضخ حبيبات السلت والطين في عمق التربة، حيث تصل إلى 40–50 سم للمحاصيل الحقلية وإلى 1.5 متر للأشجار. هذه التقنية تضمن احتفاظ منطقة الجذور بمياه الري والأسمدة، مما يقلل الهدر ويزيد الإنتاجية، وكانت النتائج مبهرة:
توفير 50-60% من مياه الري.
توفير 35-50% من الأسمدة.
زيادة كبيرة في الإنتاجية وتحسن واضح في خصائص التربة.
وأضاف: في المقابل، كانت تجربة النانو كلاي السائل الذي يتم الترويج له تجاريًا مخيبة للآمال، فجزيئاته متناهية الصغر تُغسل سريعًا مع مياه الري وتختفي في الموسم التالي، بل وقد تُشكل طبقة صماء تعيق الصرف في الأعماق. لذلك، تم استبعاد النانو كلاي من المشروع، لكونه "حلًا قصير الأجل، باهظ الثمن، وضعيف الفاعلية".
تخصيب التربة وبراءات الاختراع
وأكد الدكتور علي عبد العزيز، في المرحلة الرابعة والأخيرة، أضاف المشروع بُعدًا مصريًا جديدًا: تخصيب حبيبات السلت والطين بالعناصر الغذائية الطبيعية ونواتج تحلل المخلفات الزراعية. نتج عن هذا ثلاث تركيبات صديقة للبيئة سُجّلت كبراءات اختراع في أكاديمية البحث العلمي. بفضل هذه التركيبات، أصبح المشروع قادرًا على معالجة الأراضي الرملية والمالحة والقلوية، بالإضافة إلى دوره في تثبيت الكثبان الرملية.
وأوضح: تُظهر المقارنة أن الفارق بين المشروعين لا يقتصر على التقنية، بل يمتد إلى المنهج العلمي السليم والهدف الحقيقي من التنمية: مشروع "إيجيبت كلاي" يعتمد على خامات محلية وتكنولوجيا واقعية منخفضة التكلفة، وبينما يعتمد "النانو كلاي السائل" على استيراد مواد باهظة الثمن تُغسل سريعًا وتفقد تأثيرها، مما يجعله مشروعًا تجاريًا أكثر منه إنجازًا علميًا.
وأضاف: من خلال حقن الطين في الرمال، يقدّم مشروع "إيجيبت كلاي" نموذجًا مصريًا أصيلًا لقدرة العلم على إحداث تغيير حقيقي. هذا المشروع لا يبيع الوهم، بل يزرع الحقيقة، مؤكدًا أن الاستصلاح المستدام للأراضي يبدأ من إيمان الباحث بأن الرمال يمكن أن تزدهر وتتحول إلى خضرة، إذا عرف كيف يحقنها بأسس الحياة الصحيحة.


