السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الرابحون والخاسرون من حرب غزة

الخميس 09/أكتوبر/2025 - 12:03 م

الرابح الحقيقي في أي حرب ليس من يحصي الغنائم العسكرية بل من ينجح في تغيير قواعد اللعبة وفرض روايته على العالم، وفي حرب غزة التي امتدت (٧٣١) يوما (قرابة عامين) قد لا يكون هناك نصر صريح أو هزيمة ساحقة؛ لكن ما هو مؤكد أن موازين القوى لم تعد كما كانت وأن هذه الحرب ستظل علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

فالحروب لا تقاس فقط بعدد الصواريخ التي أطلقت ولا بعدد الأبراج التي انهارت تحت القصف.. الحروب الحقيقية تقاس بمن يخرج منها أقوى سياسيا وأكثر حضورا إعلاميا وأقدر على فرض روايته على العالم وهذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بل زلزال سياسي غير معادلات المنطقة وكشف أن النصر والهزيمة ليسا مجرد كلمة على لسان الجنرالات بل ميزان معقد بين القوة والسردية والشرعية.

المقاومة الفلسطينية: كسر الأسطورة

رغم الحصار والدمار خرجت المقاومة الفلسطينية بإنجاز رمزي يفوق أي حسابات عسكرية: كسرت صورة الجيش الذي لا يقهر؛ مجرد استمرارها في الميدان أسابيع طويلة وصمودها في وجه آلة الحرب الإسرائيلية منحها نصرا سياسيا ومعنويا سيظل حاضرا في ذاكرة المنطقة.

القضية الفلسطينية: عودة من الغياب 

لأعوام طويلة تراجعت فلسطين في الإعلام العالمي، وفجأة عادت إلى الواجهة بقوة في الجامعات الغربية؛ الشوارع الأوروبية ؛ وحتى دوائر القرار في واشنطن التي اضطرت أن تسمع كلمة (غزة)
يوميا.. الملايين خرجوا إلى الميادين ليعلنوا أن فلسطين ليست قضية من الماضي بل جرح مفتوح في قلب العالم.

الاستبسال الدبلوماسي للوسطاء: مصر وقطر والسعودية

لعبت مصر وقطر دور الوسيط الحاضر دائما بين غزة وتل أبيب بينما دخلت المملكة العربية السعودية على الخط بجهود حثيثة تكللت بالدعوة إلى مؤتمر دولي مع فرنسا لحل الدولتين والذي انعقد في قلب نيويورك في محاولة ناجحة لإعادة إطلاق مسار سياسي طال انتظاره.

الإعلام البديل: هزيمة الرواية الرسمية

من قلب الركام خرجت صور الأطفال والبيوت المدمرة والدموع التي لا تشترى؛ هذه الصور اجتاحت مواقع التواصل وهزمت عشرات السنوات من الدعاية الرسمية الإسرائيلية. مواقع التواصل تحولت إلى سيف مسلط على رقبة نتنياهو بعدما أغرقت روايته الرسمية ودفعته إلى الاستعانة بجوجل في صفقة دعائية قدرتها تقارير بـ45 مليون دولار في محاولة بائسة لتحسين صورة إسرائيل المدمرة.

الخاسرون: إسرائيل بين الصدمة والانقسام

دولة بنيت على أسطورة الأمن والردع وجدت نفسها عارية أمام العالم: فشل استخباراتي مدوي وانقسام داخلي عميق واقتصاد ينزف ومجتمع يعيش تحت الصدمة؛ أما الصورة الخارجية فقد تصدعت بعد أن رأى العالم حقيقة الاحتلال دون أقنعة.

الولايات المتحدة والغرب: سقوط الأقنعة

رفعوا شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لعقود لكنهم كشفوا عن وجه آخر في غزة: دعم أعمي لإسرائيل وصمت عن المجازر والإبادة الجماعية؛ النتيجة.. فقدان المصداقية واتساع الهوة بين الشعوب العربية والإسلامية وبين الغرب الذي يدعي الحياد وهو غارق في الانحياز؛ ازدواجية في المعايير هنا بلغت مستوى يجعل المراقب يتساءل: لو لم تكن مأساوية لكانت تصلح عرضا ساخرا على مسرح برودواي!

المدنيون في غزة: الخسارة الفادحة

الفاتورة الأكبر دفعها أهل غزة أكثر من ٦٧ ألف شهيد وما يقارب ١٧٠ ألف مصاب وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، مدن بأكملها تحولت إلى ركام وأجيال كاملة تكبر في خيام النزوح.. إنها الخسارة التي لا يمكن جبرها ولن تمحى من الذاكرة الإنسانية.

المنطقة الرمادية 

حماس: بين المكاسب والمعضلة

صحيح أن حماس ربحت في ميدان الصمود وفرضت نفسها كرقم صعب لكن مستقبلها السياسي يبدو محاصرا فهناك إجماع عربي ودولي على رفض استمرارها كسلطة حاكمة في غزة؛ والأكثر من ذلك أن الحركة وجدت نفسها أمام ابتزاز مباشر من إدارة ترامب الذي لم يخفِ نواياه وقالها صريحة:(سنربح غزة.. وسنصنع السلام في الشرق الأوسط). ترامب قالها وكأنه يتحدث عن صفقة عقارية جديدة أو برج يحمل اسمه في مانهاتن لا عن أرض وشعب ودماء؛ أما حماس فحاولت أن تناور وتفاوض ربما على أمل أن ينشغل ترامب بتغريداته أو بقضاياه  في المحاكم أو أن تتغير موازين القوى أو حتى أن تغير جلدها لتبقى لاعبا حاضرا في مستقبل غزة؛ لكن السؤال يبقى: هل يمكنها أن تفلت من هذا الطوق الدولي والإقليمي المفروض عليها ؟!

إن الحروب لا تحددها المدافع وحدها بل أيضا ما يترتب عليها من نتائج سياسية ومعنوية؛ لذا فإن هذه الحرب لن تذكر فقط كحرب دموية أزهقت فيها أرواح عشرات الآلاف بل كحرب غيرت قواعد اللعبة.. الرابحون فيها لم يكونوا من يملكون الطائرات والدبابات بل من فرضوا روايتهم على العالم والخاسرون لم يكونوا فقط من انهزمت جيوشهم بل من انهارت صورتهم وتكشفت ازدواجية معاييرهم.. الخاسر الأكبر هو من يكتفي بعدّ الضحايا دون أن يغير شيئا في المعادلة.. أما غزة فقد دفعت الثمن الأغلى لكنها في الوقت نفسه أعادت كتابة تاريخ الصراع  وأصبحت مجددا في قلب الصراع والحقائق التي ولدت من تحت الركام ستبقى مهما حاول البعض دفنها.

فالجيل الجديد لا يقرأ البيانات الرسمية بل يشاهد الفيديوهات على انستجرام وتيك توك وهناك تُكتب الحقيقة.. وتُصنع السردية الجديدة.

تابع مواقعنا