أكتوبر السادات وسلام السيسي.. مصر التي لا تنكسر
في كل مرة تظن فيها الدنيا أن مصر انتهت تنهض من جديد.. تُغير جلدها.. تستعيد أنفاسها.. وتُثبت أن فيها رجالًا يعرفون كيف يحرسون الحلم مهما كان الثمن.
فمصر بلد لا تموت؛ ولا تعرف الانكسار، وفي كل زمن يولد فيها رجل يعرف طريق النجاة.. يعرف متى يحارب، ومتى يصالح، ومتى يقول للعالم كله: هنا مصر.
قبل أكثر من خمسين عامًا، وقف أنور السادات -في لحظة تشبه المعجزة- ووسط قلوب مكسورة، وأمل ضائع، وجيش يبحث عن كرامته، وشعب يريد أن يرفع رأسه من جديد.. جاء من آمن أن مصر لا تُهزم؛ فقاد حرب الكرامة والعبور في أكتوبر المجيد، ثم قاد بعدها حربًا أخرى - حرب القرار الصعب، عندما اختار أن يمد يده للسلام.
اختار السادات أن يمد يده للسلام، لينهي نزيف الدم، ويكتب لمصر فصلًا جديدًا في تاريخها؛ ورغم أن القرار لم يكن محبوبًا من الجميع، لكنه كان شجاعًا، ومختلفًا.
سلام السادات لم يكن ضعفًا، بل شجاعة رجل رأى أن الدم كفاية، حمل السلام على كتفيه، ومشى به وحده، حتى نال جائزة نوبل، ليقف العالم كله احتراما بعدها لرجل غيّر التاريخ وغيّر وجه المنطقة وعلّم العالم أن السلام يحتاج إلى قلب شجاع مثلما تحتاج الحرب إلى جيش قوي.
واليوم، وبعد نصف قرن من أكتوبر، يعود التاريخ بمشهد مختلف لكن الجوهر واحد؛ وقعت مصر بين مطرقة حرب لم تعد تُخاض بالدبابات، بل بالأفكار والمصالح والمؤامرات؛ وسندان نار تشتعل في غزة تهدد الشرق الأوسط كله بالفوضى، والخراب، وانقسامات لا تعرف نهاية.
وفي هذا المشهد المعقد، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي حارسًا لبوابة الشرق؛ رجل اختار نفس الطريق الصعب الذي اختاره السادات، طريق الحفاظ على السلام وسط العاصفة.
سلام السيسي لم يكن من أجل حماية الأرض فقط ولا اتفاقًا على ورق، بل سلام يحمي الإنسان قبل الأرض؛ جاء ليُدير معركة السلام في زمن الحرب، ويمد يده مرة أخرى باسم الإنسانية.. يفتح المعابر للمساعدات، ويرفض التهجير، ويدافع عن حق الفلسطينيين في الحياة، ويحافظ في الوقت نفسه على أمن مصر واستقرارها
لم يفاوض عبد الفتاح السيسي على أرضٍ فقط بل على حياة شعب واستقرار أمة يريد العالم بأسره أن يعبث بها؛ ونجح في معركته ليصنع سلامًا في غزة لا يقل وزنًا عن سلام القدس قبل خمسين سنة.
قد يختلف الزمان والمشهد، لكن جوهر البطولة واحد.
السادات واجه البنادق، والسيسي يواجه الفوضى.
الأول أعاد الأرض، والثاني يحميها.
الأول كتب أكتوبر، والثاني يكتب أكتوبر جديدًا - عبورًا نحو السلام.
ولو كانت نوبل تمنح لمن يصنع السلام وسط النار، فربما كانت مصر تستحقها مرة أخرى، فالتاريخ لا ينسى من اختار الأمل وسط الخطر، ولا ينسى من جعل من الصمت حكمة، ومن الصبر انتصارًا.
إنه خيطٌ واحد يربط بين عبور السادات وثبات السيسي، خيط اسمه مصر التي لا تنكسر.


