حرب السويس وذكرى 24 أكتوبر
يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. استشهد تحتك وتعيشي إنتي، سيظل يوم 24 أكتوبر 1973 شاهدا علي المقاومة الشعبية، وتلاحم الشعب مع جيشه، ورمزا لكفاح مدينة السويس الباسلة ورجالها الأوفياء الذين قدموا أرواحهم ودمائهم حماية للوطن وصون أرضه وكرامته.
واتخذت السويس يوم 24 أكتوبر عيدا قوميا لها، وقد شرفت بحضور احتفالاته عده مرات لارتباطي بمدينة السويس، كما زرت متحف أكتوبر الذي يزين الجانب الأيمن من مدخله تابلوهات لأبطال المقاومة الشعبية، كما أن المتحف يعتبر من أهم المتاحف علي مستوي مصر كلها قيمة وثراء لمقتنياته، وسجل حقيقي لنصر أكتوبر المجيد، وأتمنى أن يفتح أبوابه دائما للجمهور، وأن يتم عمل رحلات مستمرة لتلاميذ المدارس والجامعات لتنمية الوعي والانتماء الوطني.
الرئيس السادات بنفسه أشاد بدور المقاومة وكل قاوم العدو وصده عن احتلال مدينة السويس، واعتبر 24 أكتوبر يوما حاسما في كتابه النصر العظيم.
الأسماء في سجل الشرف لا تنضب، وما زالت بطولاتهم تروى مثل محمد عواد، أحمد عطا، السيد أحمد أبو هاشم، امام المجاهدين حافظ سلامة، السيد أبو الرجال، غريب محمود، وكثيرون من أبناء الوطن كانوا حائط الصد أمام العدو، لم يعرفوا الاستسلام وكان شعارهم الشهادة أو النصر.
ونجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وتدمير النقط الحصينة، وحققوا النصر، ورفعوا هامتهم وعلمهم عاليا خفاقا علي ارضا المغتصبة.
وفي غمرة فرحتنا بالنصر في معركة التحرير حدثت الثغرة بين الجيش الثاني والثالث في الدفر سوار، والعدو المنهزم أراد استغلال تلك الثغرة ليغير موازين المعركة، وليكتب لنفسه انتصارا باحتلال مدن القناة التي تم تهجير معظم سكانها بعد نكسة يونيو، وليعلن للعالم أن الحرب انتهت بانتصارهم.
وبدأ العدو يمهد لدخول المدينة بعد ضربها بالطائرات والصواريخ والدبابات مستخدما كل ألياته العسكرية في تدميرها، تمهيدا لاحتلالها.
وأعلن وقتها الرئيس السادات: أننا دخلنا الحرب ونحن مستعدون لمواجهة إسرائيل ولكن نحن لسنا مستعدين لمواجهة أمريكا.
وطارد العدو الأهالي في القري علي شط القناة، فاضطروا الي ترك بيوتهم وامتعتهم من شدة نيران العدو وحماقته، واتجهوا الي جنيفة التي تحولت الي كتلة ملتهبة من النيران، يضرب العدو بكل خسة المدنيين وسيارات الإسعاف والمستشفيات وكل شيء يقابله، فلم يحترم يوما عهدا ولا ميثاق ولا قانون دولي ولا انساني.
ورغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف كل العمليات القتالية، واصلت الولايات المتحدة الامريكية بتزويد الكيان المحتل بالسلاح، ولم تستجب إسرائيل الي الإنذار السوفيتي، ولم ترضخ لقرار مجلس الأمن.
وكان نداء الرئيس السادات إلى رجال المقاومة الشعبية، واعداد من جنود المؤخرة من الجيش، ورجال الشرطة بالمدينة، والجيش الشعبي بالمقاومة إلى أخر نفس، فعاهدوا الله على النصر أو الشهادة، برغم أن سماء المدينة تغطيها طائرات العدو، والمدن تحولت لأطلال من كثافة نيرانهم.
صعد الشيخ حافظ سلامة إلى أعلى منبر مسجد الشهداء ليعلن حي على الجهاد، وبدأت معارك حرب السويس التي لولاها ما اكتمل النصر لمعركة العبور.
ورغم حالة الانقسام واليأس داخل نفوس بعض المسؤولين الحكوميين، متعللين بنقص إمكانيتهم، وأن المدنية محاصرة بالكامل، وجميع الطرق مغلقه، ولن يستطيعوا مواجهة طائرات العدو وألياته العسكرية ومدرعاته المجنزرة، امام ما يملكونه من أسلحة خفيفة.
لكن صحوة المصريين وايمانهم بأن الله سينصرهم، قرروا عدم تسليم المدينة، وعدم رفع الراية البيضاء أبدا، وبدأوا بعمل الكمائن وتوزيع أنفسهم على بعض النقاط المهمة، وظن العدو بعد كثافة نيرانه أن المدينة أصبحت خالية من قاطنيها، لتبدأ ملحمة يوم عظيم في تاريخ مصرنا الغالية، سطره أبناء مصر بدمائهم الطاهرة، لينقضوا على العدو غير خائفين ولا متخاذلين، يتقدمهم رجال المخابرات بعملية الرصد لتحركات العدو، ليظل أبناء المقاومة علي استعداد دائم للتصدي والمواجهة.
وكان الكمين الأول بجوار قسم شرطة الأربعين، والتالي بعد القسم امام سنما رويال، وفي المثلث، وقرب محطة القطار، ليواجهوا العدو ويطاردوه أينما تقدم.
فيفر أفراد العدو تاركين ألياتهم ودبابتهم مذعورين الي داخل قسم الأربعين المرفوع عليه رايه بيضاء، ليفاجئوا بوجود أفراد القسم في الخندق داخله، وتحدث المواجهة من الداخل والخارج ليكملوا فرارهم، تنتشر جثثهم بالشوارع، ويتم الاستيلاء علي خمس سيارات لهم خاصة بالتعينات، ويدمرون كل دبابتهم التي تركوها سليمه حتي لا يعودوا اليها.
وأصدر العدو نداء استغاثة، فصبت نيران طائراته كل شيء في المدينة، وفي اليوم التالي اتصل العدو بمحافظ المدينة يطلب منه تسليمها وتجميع الأهالي في الاستاد الرياضي تمهيدا لنزوحهم إلى القاهرة، وكان المحافظ على استعداد كامل للاستسلام والتسليم بعد التهديد الصهيوني بتدمير المدينة بشكل كامل لو لم يتم التسليم، لكن الشيخ حافظ رفض بكل وضوح التسليم واستمرار المقاومة حماية لجنودنا بالجيش الثالث، وحفاظا للنصر الذي حققته قواتنا المسلحة.
واستمرت المقاومة في نصب الكمائن كما حدث بمنطقة الهويس، وكمين جبلاية السيد هاشم وتم فيهما تدمير الاليات العسكرية للعدو وبدأ تراجعه عن المدينة بفعل استبسال المقاومة، ووصول قوات الطوارئ الدولية الي القاهرة وتحركها الي جبهة القتال.
وستظل معركة السويس شاهدا علي تلاحم الشعب مع قواته المسلحة في الدفاع عن الأرض وحماية الوطن، ولن ينسي التاريخ دورهم في بداية المعركة عندما كانوا يساعدون في استقبال الجرحى والتجهيز لدفن الشهداء، وتجلت عظمتهم عند حصار مدينة السويس، ليكتبوا ملحمة جديدة نعتز بها من الفداء والتضحية، وحكايات تروي للأجيال عبر الزمان والتاريخ، فليرحم الله شهدائنا.
وكل عام ومدينتنا الباسلة بكل خير، ومصرنا الحبيبة في تقدم وازدهار.


