يدُ الله مع مصر «ماذا بينك وبين الله يا رئيس؟»
يُروى في الأثر أن رجلًا سأل أحد الصالحين: «كيف يُديم الله على العبد ستره رغم ذنوبه؟»
فأجابه الحكيم قائلًا: «لأن بينه وبين الله سرًا لا يعلمه الناس، فيستره الله بسببه».
ومنذ سمعت تلك القصة، أيقنت أن هناك أسرارًا بين الله وعباده لا تُقال، ولكن آثارها تُرى في حياتهم، وفي أوطانهم أيضًا.
وهكذا مصر… كأن بين الله وبينها سرًا خفيًا من الرحمة والرعاية والحفظ، لا ينقطع مهما اشتدت العواصف أو تبدلت الأزمنة.
«إرادة شعب صنعت مجدًا»
في رحاب الندوة التثقيفية رقم (42) وفي ذكرى احتفال القوات المسلحة بمرور 52 عاما على انتصار أكتوبر، في لحظةٍ تفيض صدقًا وإيمانًا، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، متحدثًا إلى المصريين في الندوة التثقيفية الثانية والأربعين لانتصارات أكتوبر المجيدة، والتي جاءت تحت عنوان «إرادة شعب صنعت مجد».
حديثه لم يكن مجرد خطابٍ سياسي، بل كان مناجاة صادقة بين عبدٍ وربّه، واعترافًا من قائدٍ يرى أن كل ما تحقق من أمنٍ واستقرارٍ هو من فضل الله وحده.
قال الرئيس: «كل الستر واللي بيحصل ده بفضل ربنا، وبحسبتنا إحنا كبشر… ما كانش ممكن حاجة تعدي».
كلمات خرجت من قلبٍ ممتلئ بالإيمان، تُعلن أن مصر لا تُدار بالحسابات البشرية وحدها، بل تُصان بعين الله التي لا تنام.
أصل الحكاية.. ومشهد لا يُنسى
ساقتني الظروف هذا اليوم إلى الجلوس في المقاعد الأخيرة بين صفوف الشباب والفتيات من طلاب الجامعات المصرية.
وخلال العرض الدرامي المؤثر بعنوان «أصل الحكاية»، رأيت الدموع تنهمر من أعين الشابات، وارتجاف الأنفاس في لحظةٍ صادقةٍ امتزج فيها الفخر بالحزن، والألم بالأمل.
تأثرت القاعة كلها بالمشاهد التي جسدت بطولات المصريين، لكن قلبي ازداد فرحًا حين رأيت الابتسامة والدموع معًا في وجوههم حين ظهر الرئيس يتحدث — كانت الفرحة تطير من عيونهم قبل قلوبهم.
عندها قلت في نفسي: ما أعظم هذا الشعب، وما أصدق هذا القائد… ماذا بينك وبين الله يا رئيس؟
السياسة حين تفقد ضميرها
وفي حديثٍ صريحٍ وجريء، قال الرئيس السيسي: «السياسة كلها كذب وافتراء وربنا شايف ومطلع على كل حاجة».
كانت تلك الكلمات بمثابة صفعةٍ أخلاقيةٍ على وجه كل من باع ضميره وراح يتاجر باسم الوطن.
ولم يكن حديثه عن السياسة تنظيرًا أو تبريرًا، بل تعليقًا واضحًا على ما جرى أمام بعض سفارات مصر بالخارج من محاولاتٍ خبيثة لتشويه صورة الوطن، واستغلال السياسة للإساءة لبلدٍ يعيش نهضة حقيقية رغم كل الصعوبات.
قالها الرئيس ليضع ميزان الحق أمام الجميع: أن السياسة بلا ضمير هي أداة هدم لا بناء، ومن لا يراعي الله في موقعه لا يستحق شرف الانتماء للوطن.
حرب الوعي والبناء
شبّه الرئيس المرحلة الراهنة بأنها حرب الوعي، حرب لا تُدار بالسلاح فقط، بل بالكلمة والفكر والعقل.
فالكلمة قد تكون أحيانًا أخطر من الرصاصة، لأنها تُصيب العقول والضمائر.
دعوةٌ صريحة لكل إعلامي ومثقف وصاحب رأي أن يُدرك أن مسؤوليته لم تعد ترفًا، بل جبهة دفاع عن وعي الأمة وهويتها.
إن ما نعيشه اليوم هو نصرٌ من نوعٍ آخر — نصرٌ على الجهل واليأس، نصرٌ على الفوضى، نصرٌ في معركة بناء الإنسان المصري الذي يعرف قيمته ووطنه.
الحرب وصور النصر
الأوطان لا تُحرَّر إلا بالإرادة، ولا تُستعاد أمجادها إلا بمداد العرق والدم.
لقد خاضت مصر حروبًا كثيرة — من السلاح إلى الوعي، ومن الجبهات إلى الميادين — لكن جوهرها كان واحدًا: بناء وطنٍ لا ينكسر.
احترامي وإعجابي بالرئيس الراحل أنور السادات كبير، فهو جيل عاش التحدي وكتب النصر في أكتوبر، أما جيل الرئيس السيسي فهو من يصنع نصرًا جديدًا في زمنٍ مختلف، نصر الإرادة والتغيير والبناء رغم الحصار والضغوط.
فالحرب اليوم ليست على حدودٍ، بل داخل العقول… والنصر ليس فقط على العدو، بل على الظروف الصعبة، وعلى واقعٍ يُعاد تشكيله بعرق المخلصين.
لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله
ولعل أجمل ما قيل في ذلك اليوم حين اختتم الرئيس كلمته بأن النصر والستر والتوفيق جميعها من عند الله.
حقًا… لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله.
تلك الجملة وحدها تكفي لتفهم سرّ هذا الستر الرباني الذي يحيط بمصر منذ سنواتٍ طويلة، رغم كل ما مرّت به من مؤامراتٍ وأزمات.
كرم الله على مصر
مصر محفوظةٌ بعناية الله، تمرّ بالعواصف وتخرج منها أقوى، تُصاب ولكنها لا تنكسر، تُهاجَم ولكنها لا تسقط.
ليس بفضل شخصٍ أو مؤسسةٍ وحدها، بل بفضل الله أولًا، ثم بفضل شعبٍ صابرٍ واعٍ، وقائدٍ مؤمنٍ بأن من حمد الله زاده، ومن شكر النعمة حفظها الله له.
رسالة إلى الداخل
من لا يضع الله أمامه في عمله العام، ومن يرى في المنصب وجاهةً لا رسالة، فليترك المكان لغيره.
مصر لا تحتاج إلى المتسلقين ولا إلى المتآمرين، بل إلى رجالٍ يؤمنون أن العمل للوطن عبادة.
هي لحظة صدقٍ مع النفس: إما أن نكون على قدر النعمة، أو نفقدها بذنوبنا وتقاعسنا.
ختامًا…
ما قاله الرئيس في الندوة التثقيفية لم يكن مجرد كلماتٍ تُقال، بل وثيقة إيمانية ووطنية تُعيد تعريف القيادة في زمنٍ مضطرب.
القائد الذي يُعلن أن كل ما نحن فيه من سترٍ وتوفيقٍ هو من فضل الله، هو قائدٌ يعرف أن القوة الحقيقية من السماء، لا من الأرض.
سلامٌ على مصر التي كتب الله لها البقاء،
وسلامٌ على قائدها الذي يسير بها بثقة المؤمن،
وسلامٌ على شعبٍ أدرك أن يد الله مع مصر،
وأنها ستظل أبدًا البلد الذي لا تتركه العناية الإلهية لحظة.
وبالله… وبالله… وبالله، تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.


