الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

من جاور السعيد.. لم يعد يسعد!

الثلاثاء 28/أكتوبر/2025 - 09:48 ص

كانوا يقولون قديمًا: "من جاور السعيد يسعد" لكن هل دارت فكرة المثل الشعبي كما دارت أخلاقنا وثقافتنا مع الأيام حيث دارت؟.

اليوم يبدو أن المثل فقد معناه، فصار من يجاور الغني يزداد فقرًا، ومن يجاور القوي يزداد ضعفًا، ومن يجاور السعيد لا يسعد أبدًا.


تبدلت الأحوال، وصرنا نعيش في زمن تتبدل فيه كل المعاني التي اعتدناها وتربينا عليها وأرسى مبادئها أسلافنا، ولا عجب  حين تتبدل الأشياء وتتغير القيم، وتسقط المبادئ، حتى الأمثال الشعبية لم تعد تجري في مجراها التي وضعت له، والتي عاش الناس على مدار عقود وقرون يعتبرونها بوصلة حياتية من وقع التجارب والحياة.

اليوم، ترى عمال أكبر نادٍ رياضي في مصر، الذي يتخطى راتب أقل لاعبيه عشرات الملايين سنويًا، يتقاضون ما لا يزيد عن 5 آلاف جنيه شهريًا، ولا يزالون حتى اليوم يطالبون بالحد الأدنى للحياة؛ فقط.

وحسب التقارير فإن رواتبهم الحالية بين 3 آلاف ونصف إلى 5 آلاف، في ظل معدلات تضخم تفتك بالأسر وتطيح بالطبقات واحدة تلو الأخرى، فكيف أقول الآن  أنه يسعد من يجاور أصحاب الملايين؟ وإن تشاء أن تقل المليارات فقل؟.

كيف يفرح عامل يقضي يومه بين جدران نادي يمتلئ بالثراء الفاحش يقبع في القلب منها مليارديرات، بينما بيته يخلو من ضروريات تقيم حياة أسرته؟

في الوقت ذاته إذا نظرت إلى الصحفيين، أولئك الذي يفترض أنهم صوت الناس ولسان حال الفقراء، وهمزة الوصل بين طبقات المجتمع جميعًا، ستجد المفارقة أكثر وقعًا والتئامًا، حيث أكثر من 90% منهم لا تدر لهم مهنتهم الحد الأدنى للأجور، ونصفهم تقريبًا يعمل بأقل من 3 آلاف جنيه في الشهر الواحد، فكيف يناطح المسؤول الغني صحفي فقير؟، وكيف يدافع عن المظلوم من هو أشد منه مظلمة؟.

إن الفقر لعين، حين يحاصر صاحبه يلجئه للرضا بأي فتات، وربما يثنيه عن قول كلمة أو كتابة سطور كان ينبغي أن تقال، في وقتٍ هناك ضعفاء كُثر هم في أمس الحاجة إلى كلمة يكتبها أو يصدع بقولها.

الحقيقة التي يغفل عنها الكثير أن المصيبة الكبرى تكمن في أن من جاور السعداء يرى بعينيه ما لا يراه غيره، حيث يرى التفاوت ليس مجرد كلمات عابرة يقرأها في الصحف  أو أرقام يسمعها في الأخبار، لكن كواقع يعيشه كل يوم، يرى موائد عامرة في وقتّ يعيه التفكير في توفير طعام يكفي أولاده ليوم واحد، وكثير من النعيم يمر أمامه كأنه عرض حصري لغيره لا حق لمثله في أن يراه.

إنها ليست قسوة الحياة وحدها، بل قسوة المعاني، وقسوة المشاعر التي تزيده معاناة فوق المعاناة،  فأن تعيش قريبًا من الثراء وأنت محروم منه، تلك جراح لا تضمدها الكلمات،  وأوجاع لا ينطبق عليها حتى المثل الشعبي الذي يقول: " تبات نار تصبح رماد"  في وقت صار فيه جوار السعداء في حد ذاته أكبر ابتلاء، وما ذكرناه مجرد أمثلة ونماذج من كثير.

في النهاية لابد أن نعترف بشكل أكثر واقعية وجرأة، دون خجل، أو مواربة، أنه من جاور السعيد لم يعد يسعد أبدًا، بل يرى بعينيه وقلبه الفارق بين عالمين، أحدهما يزداد بريقًا وقوةً، والآخر يزداد غرقًا وعجزًا.. تلكم الحقيقة التي يجب أن يدركها ويعيها كل منوط بها "إن كان لا يعيها".

تابع مواقعنا