ناجي الجعفراوي: استشهاد شقيقي صالح اغتيال مدبر من الاحتلال.. وكان يحلم بتمثيل فلسطين ببطولات التنس| حوار
خلال الأيام الماضية، تصدر اسم الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي منصات الإعلام ومواقع التواصل، بعد استشهاده خلال توثيقه جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ليصبح أحد أبرز الوجوه التي خلدت الحقيقة بعدستها ودفعت ثمنها دمًا.
الاحتلال زعم أن استهدافه كان عرضيًا، بينما تؤكد أسرته أن ما حدث لم يكن صدفة، بل عملية اغتيال متعمدة جاءت بعد سلسلة تهديدات علنية تلقاها منذ الأيام الأولى للحرب.
وفي هذا السياق، أجرى القاهرة 24، حوارًا مع شقيقه الأسير المحرر ناجي الجعفراوي، الذي خرج مؤخرًا من سجون الاحتلال بعد أكثر من 570 يومًا من الاعتقال، ليروي في حديثه تفاصيل اللحظة التي علم فيها باستشهاد شقيقه داخل السجن، وظروف احتجازه القاسية، ورؤيته لدور الإعلاميين الفلسطينيين في إكمال رسالة صالح، كما تحدث عن العلاقة الخاصة التي تربط الفلسطينيين بمصر، مؤكدًا أن مصر ليست فقط الجارة، بل الروح والامتداد والهوى.
فإلى نص الحوار:
في البداية.. حدثنا كيف علمت بخبر استشهاد شقيقك الصحفي صالح الجعفراوي؟ وما ردود فعلك في أول لحظة؟
علمت بخبر استشهاد صالح من خلال أحد المواطنين الموجودين على باب مستشفى ناصر، عند وصولي إلى المستشفى ناداني من شباك الباص، كنت أجلس بجوار الشباك، فرآني هذا الشاب وناداني قائلًا؛ أنت الشيخ ناجي؟، فقلت له نعم، فقال لي؛ أنت أخو صالح؟، فقلت له صحيح، فقال لي إن صالح استشهد، فقلت له متى استشهد؟، فقال؛ استشهد البارحة، واليوم دفنوه.

سبحان الله، ما ملكت نفسي لحظتها، وبكيت بالطبع، لكن أول ما جرى الله على لساني أنني صرت أردد: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.. يا رب، لا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا رب ثبتني، يا رب صبر أبي وأمي، صرت أدعو الله بعد تلك اللحظة بالثبات والصبر لي ولوالديّ، وكان ما كان من ردود الفعل التي رأيتموها أيضًا على مواقع التواصل.
هل لديك معلومات أو دلائل تشير إلى من نفّذ عملية اغتيال أخيك أو الجهة التي تتحمل المسؤولية؟
المعلومات التي لدينا، أن صالح كان يرتدي درع الصحافة، وكان داخل منطقة انسحب منها الاحتلال قبل فترة قصيرة، دخل كعادته يوثق ما حدث للأسف، كانت في تلك المنطقة بعض الجهات المسلحة التي يساندها أو يدعمها الاحتلال، الاحتلال منذ أول يوم هدّد صالح على مواقع التواصل، سواء من خلال أفخاي أدرعي أو غيره من الناطقين باسم جيش الاحتلال أو بعض قياداته الذين كانوا يهددونه علنًا.

وبناءً على ذلك، فإن المسؤول عن اغتيال صالح هو جيش الاحتلال الإسرائيلي، سواء كان ذلك بصاروخ أو قذيفة أو رصاصة نارية، أو حتى عبر من يدعمهم الاحتلال، في النهاية، المنفذ واضح ومعلوم، وهو جيش الاحتلال الذي تعمد تشويه صورة صالح، ومتابعته وملاحقته وتهديده وتهديد أسرته منذ الأيام الأولى للحرب.
في رسالته الأخيرة تحدث عن واجب الناس تجاه غزة.. كيف ترى دور الإعلاميين الفلسطينيين في إكمال رسالة أخيك؟
الإخوة الإعلاميون هم أقدر من يحمل الرسالة من بعد صالح، لأنهم عايشوه، ولذلك فهذه أمانة في أعناقهم أن يكملوا ما بدأه صالح، إذا كان صالح قد استشهد، فالرسالة لم تمت ولن تموت، وكما حملها بأمانة، فلا بد أن يحملوها كما حملها هو، إن كانوا صادقين في محبتهم لصالح وعهدهم معه، فعليهم أن يُكملوا ما بدأه، ودور الإعلاميين عظيم جدًا ومهم للغاية، فهم أقدر الناس على إيصال الرسالة، وعلى نقل المعلومة والصورة والكلمة، ونقل ما يحدث على أرض غزة، والعبء والحمل عليهم ثقيل جدًا، وأسأل الله أن يعينهم جميعًا، وأن يجعلهم خير من ينقل هذه الرسالة والصورة.
هل لديك نية لتقديم شكوى دولية أو طلب تحقيق مستقل في اغتيال صالح؟ وما هي الأدلة التي تودّ إبرازها؟
هذا الأمر لم يحن وقته بعد، نحن الآن ما زلنا في استقبال المهنئين والمعزين والناس والضيوف، واستقبال الرسائل والاتصالات من أنحاء العالم أجمع، وهذا يكفينا في الوقت الحالي، يكفينا أن نرى محبة صالح تتجسد في قلوب الجميع، وفي كلماتهم، وفي الفيديوهات التي نُشرت حول العالم عربًا وعجمًا، مسلمين ومسيحيين وهذا يكفينا صراحة في هذه المرحلة.

صالح كان لاعب تنس طاولة قبل أن يصبح صحفيًا.. هل أخبركم بنيّته أن يكون بطلًا أولمبيًا؟
طالما كان يحلم صالح بأن يكون خير من يمثل فلسطين في بطولات تنس الطاولة المختلفة حول العالم، كان دائمًا يتمنى أن يمثل فلسطين في المحافل الدولية، حيث شارك في أكثر من بطولة عالمية، ومثّل فلسطين في مصر، وقطر، وتركيا، وكان من المقرر أن يشارك أيضًا في بطولة أخرى في الجزائر أو تونس لا أذكر تحديدًا لكن سبحان الله، قدر الله سبق.
لو عاد بك الزمن إلى لحظة خروجك من السجن.. ما أول شيء كنت تتمنى أن تقوله لصالح قبل رحيله؟
أول شيء كنت سأقوله له: أنا فخور جدًا بك، لأن أخبار صالح كانت تصلني وأنا في السجن، وكنت أتابع إنجازاته الإغاثية والاجتماعية والصحفية والإعلامية من خلف القضبان، كنت سأقول له؛ الله يرضى عليك، كم أنا فخور بك فعلًا، يا صالح.
كيف كانت ظروف احتجازك من الناحية المعيشية من غذاء وسكن ونظافة ؟ وما أصعب تجربة مررت بها؟
الظروف كانت سيئة جدًا وصعبة للغاية، الغذاء قليل ورديء جدًا، وما شعرت في حياتي أنني نمت على جوع إلا في السجن، أكثر من 570 يومًا كنت أنام على جوع، المكان سيئ جدًا ويفتقر لأدنى مقومات النظافة الشخصية، ولذلك أصابتنا أمراض كثيرة، منها الجلدية وغيرها، اللباس كنا نغيّره كل ستة أشهر مرة، وكانت الأمور أصعب مما تتخيلون، الغذاء شحيح، النظافة معدومة، نغتسل مرة كل شهر، ونخرج إلى الفورة بفترات طويلة جدًا، أُصبنا بضمور في العضلات والأعصاب، ولم نرَ الشمس لفترات طويلة، ونقصت أجسادنا من الفيتامينات والمعادن، وكانت تجربة السجن هي الأصعب في حياتي على الإطلاق، لكنها رغم قسوتها كان لها فوائد كبيرة.
هل تعرضت أنت أو رفاقك في السجن لأشكال من التعذيب أو الانتهاكات الجسدية أو النفسية؟
ما من أسير إلا وتعرض لمواقف تعذيب، كل الأسرى، بلا استثناء، تعرضوا لكل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي ضرب، تنكيل، سحل، إطلاق كلاب علينا، صعق بالكهرباء، وكل ما يمكن تخيله من انتهاكات.

فتعاملنا مع ذلك بالصبر، لم نكن نملك أن نرد عن أنفسنا هذا الظلم أو ندفع الضرر، وكنا نستعين بالله فقط، وليس أمامنا إلا أن نقول؛ يا رب، وكنا ندعو الله أن يدفع عنا البلاء، ولم نكن نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، لذلك تمنينا الموت آلاف المرات على أن نرى ما رأيناه، تمنينا الموت في كل يوم مئة مرة، لكن قدر الله غالب.
بعد تجربتك هذه في السجن.. ما الرسالة التي تودّ إيصالها حول قضية الأسرى؟
قضية الأسرى هي القضية الأولى التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل إنسان حر وشريف حول العالم، الأسرى مقيدون، مكبلون، مغيبون عن الواقع، يفتقرون لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، لا يعلمون شيئًا عن أهاليهم، ويتعرضون لشتى صنوف التعذيب والانتهاك، لذلك، من كان في قلبه مثقال ذرة من إنسانية أو شرف أو إيمان أو حرية، فعليه أن ينصر قضية الأسرى العادلة، هذه رسالتي للعالم، وللفلسطينيين، وللناس جميعًا.
ما رسالتك للشعب المصري قيادة وشعبًا بعد دورهم في منع تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه؟
الشعب المصري لعله أقرب شعب لنا عاطفيًا ووجدانيًا وجغرافيًا، امتدادنا في مصر، روحنا في مصر، شطر هوانا في مصر، شطر قلوبنا في مصر، وأنسباؤنا في مصر، أنا، ناجي الجعفراوي، لنا امتداد كعائلة الجعفراوي في كفر الجعفرة بمصر، وكلكم تعلمون ذلك، لذلك، مصر ليست شيئًا عاديًا بالنسبة لنا، بل هي امتدادنا الروحي والوجداني والجغرافي والعقلي والنَسَبي، كل الحب والاحترام والتقدير لمصر قيادةً وشعبًا وأفرادًا وحكومةً ورئيسًا، فمصر تلعب دورًا أساسيًا لا يستطيع أحد إنكاره في الحفاظ على محورية القضية الفلسطينية وكينونتها، ولذلك أقولها بصدق: أنا فلسطيني، ولكن هواي مصري.





