الأفكار وحدها لا تكفي
من أكتر من 15 سنة فاتت وفي خلال رحلة البحث عن الهدف -واللي بالمناسبة مستمرة لحد النهاردة وهتفضل كده للأبد لإني اكتشفت إنها الرحلة الوحيدة اللي بدون نهاية- اتصلت بفنان كوميدي شاب معروف ومحبوب جدًا.. عرفته بنفسي وبإن عندي 3 أفكار لـ 3 أفلام كلهم جُداد ومفيش حد عمل زيهم قبل كده!.. الراجل سمعني بصبر وبذوق الحقيقة وأنا بتكلم عن عناوين عامة للأفكار بدون ما أحكي تفاصيلهم لحد ما فاجئني بسؤال مباغت: طب وبعد الأفكار؟.. قولتله: هكتبهم كسيناريوهات أفلام كاملة أكيد بس المهم إنهم يعجبوك كأفكار الأول!.. ضحك وقال: لو على الأفكار أنا ممكن أقول لك على مليون فكرة حلوة بس الأهم من الفكرة هو تنفيذها!.. كتابتها.. هتترسم على الورق إزاي.
كلامه صدمني ولقيت نفسي بسأله لا إراديًا: والمطلوب؟.. رد بهدوء: روح اكتبهم كأفلام كاملة متقفلة الأول وتعالى وريهوملي.. للأسف بسبب قلة الخبرة وقتها اعتبرت إن رده فيه عدم تقدير.. أصل بالعقل كده إيه اللي هيخليني أكتب 3 سيناريوهات لـ 3 أفلام وأنا مش ضامن إن فيه حد عايزهم!.. ده الفيلم الواحد بياخد وقت كتابة مش أقل من 3 شهور.. يعني أسيب شغلي، وأقعد بدون دخل، وأقفل على نفسي 3 شهور كاملين عشان أنجز كتابة 3 أفلام ويا صابت يا خابت!.. كنت شايف إن ده مش عدل، ولا منطق سليم.. لكن وبمرور الوقت وزيادة الخبرة بقى عندي يقين إن رأي الفنان ده وقتها ولحد دلوقتي كمان هو الصح.. ليه؟.. بالتبعية حط نفسك مكانه أو مكان المنتج.. جالك شاب بيقول إن معاه فكرة حلوة.. تمام، هنعمل إيه بحلاوتها لو مش مكتوبة كتابة على ورق بشكل كامل أقدر أحكم عليه حكم صح!.. ممكن الفكرة تكون تحفة، بس الكاتب يكتبها وحش!.. وممكن تكون وحشة بس الكاتب يكتبها بشكل يظهر جمالها اللي محدش شافه فيها كفكرة.. في الحالتين الحكم على الفكرة كفكرة بس هيبقى حكم ظاهري لا يعني ضمان لأي شيء.
كمان كون إنك تفكر في فكرة حلوك مش هو ده المميز عشان كل الناس تقدر تفكر في فكرة من 3 أو 4 سطور.. بس المختلف، واللي مش بيقدر يعمله كل الناس هي صياغة الفكرة كفيلم مترابط وكامل.. ده الأصعب، والأقيم في نفس الوقت.. عشان كده افتكرت الموقف ده امبارح وأنا بقرا انتقادات كتير من ناس كتير بيطلبوا إن نسب الفضل في فكرة المتحف المصري الكبير المفروض تروح للدكتور فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق في عهد الرئيس مبارك على اعتبار إنه صاحب الفكرة من بدايتها خالص!.. تمام.. محدش أنكر ده خالص، بس وبعد ما معالي الوزير فكر؟.. فضل المشروع محلك سر لمدة تزيد عن 19 سنة بدون أي جديد!.. مجرد تصميم بدائي أولي للمتحف بالإضافة لحتة أرض في مواجهة الأهرامات مستعدة عشان يتبني عليها المتحف!
19 سنة من الخمول والسكون وعدم الحركة ومفيش حتى حد شال طوبة بدأ بيها بناء المتحف.. لكن يشاء ربنا إن فيه حكومة ورئيس دولة قرروا من 8 سنين إن الوضع ده ينتهي والمتحف ده يخلص ويخرج للنور مهما كانت تكلفته ومهما أخد من مجهود وتعب وشغل.. وفعلًا يتحقق اللي هما عايزينه ويبقى فاضل أقل من 24 ساعة على الحدث الأهم سياحيًا وثقافيًا وتراثيًا في آخر 100 سنة.. افتتاح المتحف المصري الكبير.. فخر المصريين وقيادتهم وتاريخهم.. يبقى المفروض نشكر اللي فكر في الفكرة، ولا في اللي نفذها؟.. اللي اكتفى بالكتابة على ورق، ولا اللي مزج العرق بالتعب عشان يخلي الحلم واقع ملموس؟.. بدون شك هختار الناس اللي تعبت دلوقتي وشالت فوق طاقتها عشان بلدنا تبقى هي الهاشتاج رقم 1 في كل وسائل التواصل الاجتماعي في معظم الدول العالمية.. بالمناسبة.. وعشان البلد دي مش بتنسى اللي تعبوا عشانها، أو تعبوا نفسهم عشان حتى فكرة؛ عرفت من مصادر موثوق فيها إن د. فاروق حسني هيكون من ضمن الحضور لتكريمه لإن هو اللي فكر!.
بنوصل للحاجة اللي بنتمناها من خلال المجهود اللي بنعمله عشان تبقى معانا مش بالاكتفاء بوقوفنا عند مرحلة التمني، أو التفكير، أو المشاورة عليها.. عايز؟.. طب ما كلنا عايزين بس مين اللي هيتحرك، ويسبق، ويطبق على الأرض عشان يوصل!.. الفكرة لوحدها عمرها ما كانت كفاية، وبتبقى زي البذرة اللي اترمت في الأرض ومحدش رواها.. حتى لو كانت بذرة نادرة وغالية، هتفضل مجرد حتة تراب ناشفة لحد ما حد يقرر يرويها، ويتعب فيها، ويشوفها وهي بتكبر.. النجاح عمره ما بيحصل بـ كنت ناوي، ولا بـ كنت بفكر، لكن بيحصل لما بدأت، وكمّلت، وما وقفتش.. مفيش مجهود، أو سعى، أو معافرة هيروحوا هدر.. تأتيك الأشياء على قدر سعيك لا على قدر رغبتك.


