الدولة المصرية دولة مؤسسات.. من ناصر والسادات إلى مبارك والسيسي
تُعَدّ الدولةُ المصريةُ نموذجًا حيًّا لفكرة دولة المؤسسات، فهي دولة لا تتوقف مسيرتها بتغيّر الحكّام أو تبدّل الأنظمة، بل إنها تسير بخطى ثابتة في طريق البناء والتقدم، مستندةً إلى مؤسساتها الراسخة وجهازها الإداري القادر على استيعاب التحديات ومواصلة العمل الوطني، فالقوة الحقيقية لأي دولة لا تكمن في الأفراد مهما كانت قدراتهم، بل في استمرارية مؤسساتها وحرصها على تحقيق المصلحة العليا للوطن عبر الأجيال.
ويظهر ذلك جليًّا في التاريخ الحديث لمصر من خلال أمثلة عديدة تؤكد أن مسيرة الدولة المصرية تقوم على التراكم والبناء المتواصل والخطط طويلة الأمد؛ فحين نتأمل ما حدث بعد نكسة 1967 سنجد أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يرضَ بالهزيمة، بل إنه أطلق ما عُرف بـ«حرب الاستنزاف»، التي كانت معركة طويلة لإعادة الثقة وبناء القوات المسلحة من جديد، وقد كانت تلك الحرب بمثابة مرحلة إعداد وتجهيز واستعادة للكرامة الوطنية.
وبعد رحيل عبد الناصر لم تتوقف المسيرة، بل تولّى الرئيس أنور السادات الراية واستثمر ما بُني خلال سنوات الاستنزاف، ليقود الجيش المصري إلى نصر أكتوبر المجيد عام 1973، وهو أعظم دليل على أن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلحة، تعمل بروح متصلة لا تنقطع بتغيّر القيادة، بل تتكامل في الأداء والإنجاز وتحقيق الهدف.
واستمر هذا النهج في العصر الحديث من خلال المشروعات القومية الكبرى التي بدأت في عهد واستُكملت في عهد آخر، ولعل أبرزها مشروع المتحف المصري الكبير، فقد أطلق الرئيس محمد حسني مبارك بداية إنشاء هذا الصرح العالمي في عام 2002 بعد أن قدّم له وزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسني فكرة المشروع وجهات تمويله، ليكون أكبر متحف للآثار في العالم يعرض عظمة الحضارة المصرية بطريقة تليق بتاريخها.
تم وضع حجر الأساس وبدأت عمليات التصميم والتنفيذ بمشاركة دولية، خصوصًا من اليابان التي ساهمت في التمويل والدعم الفني، وكان الهدف من المشروع ليس فقط عرض القطع الأثرية، بل تحويل المنطقة إلى مركز ثقافي وسياحي عالمي.
ورغم ما مرّت به مصر من أحداث عصيبة في عامي 2011 حتى 2013، إلا أن المشروع ظل قائمًا لأن مؤسسات الدولة حافظت عليه باعتباره مشروعًا قوميًّا لا يخص نظامًا بعينه، وإنما يخص مصر.
ومع تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسؤولية في عام 2014، عادت الحياة للمتحف بزخم جديد، وتم تسريع وتيرة العمل وتطوير البنية التحتية المحيطة به.
استكمال الرئيس السيسي لمشروع بدأه مبارك، كما أكمل السادات ما بناه ناصر، يؤكد أن مصر لا تُبنى بالصدفة أو بالمصادفة، بل إنها تُبنى بالتخطيط والتراكم والاستمرارية.
فالمؤسسات المصرية قادرة على حفظ المشروعات الوطنية وضمان تنفيذها حتى النهاية، مهما تغيّرت الظروف أو تعاقبت القيادات، فهذا هو حال الدول الكبيرة التي تضم شعبًا واعيًا ومؤسساتٍ تعرف طريقها وتؤمن بالعمل الوطني وتحيا مصر.


