زهران ممداني.. الانتصار الذي كسر الحواجز
في قلب نيويورك، المدينة التي لا تنام، حدث ما لم يكن متوقعًا: شاب في الثالثة والثلاثين من عمره، مسلم من أصول هندية وُلد في أوغندا، هزم حاكم الولاية السابق أندرو كومو في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، المدينة التي تعتبر مركز الثقل السياسي والإعلامي للعالم.
قد يبدو الخبر عاديًا في ظاهره، لكن في العمق هو زلزال ناعم يهز أسس اللعبة السياسية الأمريكية، لأن زهران ممداني لم يفز فقط بالأصوات، بل فاز بمعركة أعمق: معركة الوعي، والتمثيل، والحق في أن تكون مختلفًا دون أن تُدان.
في زمن يزداد فيه الانقسام، وبينما تحاول بعض القوى حصر السياسة في دوائر المال والنفوذ، جاء فوز ممداني ليقول للعالم إن السياسة يمكن أن تعود إلى الناس، إنها ليست ساحة للكبار فقط، بل مساحة لكل من يؤمن أن العدالة ليست شعارًا بل سلوكًا.
حملته لم تكن كلاسيكية، لم تعتمد على المال أو المؤسسات، بل على إيمان جمعي بسيط: أن صوت الفرد قادر على أن يُحدث أثرًا.
مئات الشباب المتطوعين خرجوا في شوارع نيويورك من أجل فكرة، لا من أجل صفقة، هؤلاء لم يروا فيه مرشحًا مسلمًا، بل إنسانًا حقيقيًا يحمل همومهم، يتكلم لغتهم، ويشبههم في وجعهم.
لكن الأهم من كل ذلك، أن فوزه لم يكن رد فعل، بل فعل نابع من وعي جديد.
جيل جديد في أمريكا قرر أن السياسة لا يجب أن تُبنى على الخوف من الهوية، بل على احترام الإنسان مهما كان اسمه أو أصله أو دينه.
واللافت أن كل هذا حدث بينما كان خصومه يحاولون إلصاق تهم “معاداة السامية” به، فجاء رد الناس صريحًا: “كفانا متاجرة بالخوف.”
الناخب الأمريكي الشاب لم يعد يخاف من كلمة “عربي” أو “مسلم”، بل أصبح يخاف من الكذب، ومن فقدان العدالة، ومن عالم يُدار بلا ضمير.
زهران لم يهرب من هويته، ولم يُخفها، ولم يستخدمها، بل جعلها جسرًا لا درعًا، قوة لا قناعًا، لم يكن فوزه صدامًا دينيًا، بل انتصارًا للإنسانية حين تُمارس السياسة بشرف.
قال للعالم — دون خطب ولا شعارات — إن الإيمان مش ضد السياسة، بل ضميرها.
اليوم، يقف زهران ممداني في قلب نيويورك لا كرمز ديني أو عرقي، بل كعلامة فارقة على أن المستقبل ليس لمن يملك القوة، بل لمن يملك القناعة. وأن الإيمان بالحق، إذا صدق، أقوى من كل لوبي وكل عاصفة إعلامية.
هذا الفوز لا يخص مسلمًا واحدًا في أمريكا، بل يخص كل إنسان في العالم يؤمن أنه يستطيع أن ينهض رغم اختلافه، أن يقف رغم الهجوم، أن يكون صادقًا رغم الضجيج.
زهران ممداني لم يفز بمنصب فقط، بل أعلن بداية فصل جديد في الوعي الأمريكي — فصل عنوانه: “كن ما أنت عليه… وابق نقيًا، فالعالم يبدأ في التغير حين تتوقف عن الخوف.”


