الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

لماذا لا نعرف أسرار الأجداد؟

الجمعة 07/نوفمبر/2025 - 01:09 م

حين نقف أمام الأهرامات أو المعابد القديمة ونتأمل عظمة ما أنجزه المصريون القدماء، لا بد أن يراودنا سؤال بسيط لكنه عميق.. لماذا لا نعرف أسرارهم؟ كيف بنوا؟ وكيف فكروا؟ وكيف عرفوا ما لم نعرفه نحن اليوم رغم كل ما نملكه من أدوات وتكنولوجيا؟ هل يعقل أن ينقطع هذا النور فجأة؟

البعض يرى وكنت واحدا منهم قبل التعمق والبحث لكتابة هذا المقال، أن هناك فاصلًا زمنيا قطع الصلة بيننا وبينهم، وأننا لسنا أحفادهم بالمعنى الحقيقي، بل مجرد أناس جئنا بعدهم وسكنا الأرض التي رحلوا عنها. 

هذه الفكرة تحمل شيئا من الوجاهة والمعقولية، لأننا فعلًا فقدنا اللغة والعادات والدين والوجدان الذي كان يشكل روح تلك الحضارة، صرنا نعيش على نفس الأرض، لكن بعقل آخر ولسان آخر.

لكن إذا دققنا النظر، سنجد أن العلم لم يختف فجأة، بل تآكل ببطء شديد، فكل فترة تاريخية جديدة كانت تميل إلى طمس ما قبلها.

الملوك الجدد أحيانا كانوا يمحون أسماء من سبقوهم من على الجدران ليبدأوا تاريخهم الخاص ويبدو أن تلك عادة مصرية أصيلة مستمرة، ومع كل تغيير في الدين أو السلطة كانت تهدم المعابد، وتغلق مدارس الكهنة، ويضيع معها علم لم ينقل.

لقد كانت المعرفة عند المصريين القدماء مقدسة، لا تمنح إلا لمن يستحقها، فقد كانوا يقدسون العلم بكل أنواعه الطب، والفلك، والهندسة، وحتى ما يعرف اليوم بالعلوم الباطنية، وكان هذا العلم سرا لا يباح لعامة الشعب.

وتم حصره في طبقة الكهنة والنخبة المقربة من الحاكم، وكان يتداول داخل جدران المعابد فقط.

ولذلك، حين كانت تطاح بدولة أو تسقط أسرة حاكمة، كانت علومها تختفي معها، لأن من كان يحملها إما يقتل أو ينفى أو يفقد مكانه وسلطته، فلا يجد من بعده من يواصل المسيرة.

وهكذا ضاعت الأسرار حين انقطعت السلسلة، وسقطت اللغة التي تحمل المفاتيح، فتراكمت القرون وكأنها جدار يفصلنا عن ماضينا، لكن رغم ذلك، لم يختف أثر الأجداد تماما. 

فالجينات التي وجدت في المومياوات القديمة لا تزال موجودة فينا وثبت ذلك علميا، بل والأهم أن بداخلنا نزعة خفية تشبههم احترام الحرفة، الولع بالخلود، والإيمان بأن الإنسان يمكن أن يتحدى الموت بالفعل والإبداع ونحتاج إلى إيقاظ نزعات أخرى هامة مثل حب النظام وتقديس العلم.

ما حدث أن العلم ضاع حين توقف التواتر، وعندما غاب الوعي الذي يحمله، لأن العلم لا يورث بالدم، بل ينقل بالعقل والذاكرة، وحين ماتت اللغة مات المفتاح، وبقي الباب مغلقا آلاف السنين حتى جاء العالم الفرنسي شمبليون ليفك رموزه.

لكن السؤال الأعمق ليس لماذا ضاعت الأسرار، بل لماذا لا نحاول نحن أن نعيد وصلها؟ ربما لا نملك معابد ولا برديات تدلنا بدقة، لكننا نملك الوعي ذاته، وفضول السؤال ذاته، والرغبة في أن نفهم ما وراء الظاهر، أجدادنا لم يختفوا كما نظن.

هم هناك، في صمت الحجر، وفي ضوء النيل الذي ارتوينا منه جميعا فسار فينا نفس الدم، وفي تلك الدهشة التي تصيبنا كلما وقفنا أمام أثر لا نفهم سره.

لسنا غرباء عنهم تماما، بل نحن موجة جديدة على نفس النهر القديم، تحاول أن تتذكر كيف كان النور حين كان يرى.

فهل آن الأوان لنكمل مسيرتهم بمعايير عصرنا أم سنظل فقط نعيش على أمجادهم القديمة؟

تابع مواقعنا