الأحد 07 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

إنسانية تحت الكوبري

الجمعة 07/نوفمبر/2025 - 06:09 م

كل إنسان فينا بتجبره الظروف على تحمل المسؤولية سواء كان موافق أو لأ.. كده كده هتقابلك مطبات المسؤولية خلال مشوارك، فيه اللي بيهرب منها وبيكتب بإيده وصف لشخصيته إنه أقل من إنه يكون إنسان، وفيه اللي بيرمي نفسه عليها بقلب جامد عشان عارف في النهاية إن ربنا اللي بيكلف هو اللي لازم يعين.. فيه واحدة من أهم القصص الإنسانية اللي حصلت سنة 1999 وتم نشرها في جريدة نيويورك تايمز وبسببها تم تعديل طريقة وقانون التعامل مع أطفال التوحد

كتبت الطفلة "أوديرى كليروتر" قصتها! "أوديري" عندها 9 سنين.. طفلة سليمة 100% بس أختها ليندا عندها 6 سنين ومصابة بدرجة من درجات التوحد، أبوهم وأمهم وعشان هما عارفين إن مهما عمرهم طال لكن في الآخر هيسيبوا البنتين يكملوا حياتهم بدونهم؛ كانوا قاصدين يخلّوا "أوديري" تاخد بالها من أختها ليندا بسبب ظروفها الصحية.. تفضل جنبها لو خرجت تحاول تاخدها معاها تلعب معاها وتشاركها لحظاتها على قد ما تقدر.

نفس النظرية بتاعتنا (دا أنتم يادوب اتنين ومالكمش غير بعض)، الفكرة إن "أوديري" ورغم سنها الصغير كانت شخصية منطلقة وبتاعت حركة وخروجات وفسح وده عكس اللي كان بيكون مطلوب منها بخصوص تدبيستها جنب أختها! مممممم.. طبعًا تحت الضغط كانت بتوافق خصوصًا إن أبوهم كان رابط زيادة فلوس مصروفها بإنها تخرج مع أختها وتفسحها معاها وبتاع، زاد من الضغوط على "أوديري" أكتر كمان لما المدرسة اللي هي فيها عملت فصل خاص للأطفال المتوحدين ودي طبعًا كانت فرصة ذهبية للأب والأم اللي لقوها حاجة حلوة إن البنتين يكونوا في مدرسة واحدة.. صحيح كل واحدة منهم في مبنى منفصل بس اسمهم سوا برضه كانت ليندا تمسك إيد أختها الكبيرة وهما رايحين المدرسة الصبح لمسافة ميل ونصف.

أوديري كانت بتبقى سايبة إيدها كده وخلاص وليندا هي اللي شابكة صوابعها في صوابع أختها.. بتشوف الدنيا وبتكتشفها بعين أختها بس أختها مزمزأة وبتتعامل مع الموضوع كأداء واجب وخلاص لدرجة إنهم بمجرد ما بيوصلوا المدرسة بتسيب أختها للمشرفة هي اللي توصلها لفصلها وبتطير هي عشان تقعد مع أصحابها.

أوديري كانت بتحب تلم شعرها بتوكة وتعمله ضفيرة.. ليندا كانت بتسيب شعرها كده بدون ما تلمه، وحتى لما أمهم كانت تلمهولها كانت ترجعه عادي تاني!.. للأسف كانت أودير بتتكسف من أسئلة الطلبة زمايلها: هي أختك مالها؟.. ليه مش بتتكلم زينا؟.. هي شكلها غريب شوية؟.. هي فعلًا ماكنش عندها إجابات حتى لنفسها على الأسئلة دى فكانت بتتهرب منهم.. عارف شلة العيال الغلسة واللي غالبًا بيكونوا بلطجية ومحتلين جزء كبير من حوش المدرسة وبيرموا بلاهم على اللي رايح واللي جاي؟.. دول كانوا سبب زيادة العبء أكتر على أوديري.

بمجرد انتهاء اليوم الدراسي كانوا يستلموا الأختين وهما خارجين في طريق العودة لبيتهم يجروا وراهم ويرموهم بأى حاجة في إيديهم لدرجة إنهم مرة فضلوا يطاردوهم لحد باب البيت وعشان كده أمهم اضطرت تطلب لهم الشرطة!.. بتقول أوديرى في مقالها: (كنت أود بشدة أن أسير وحدي ومع أفكاري دون أن أكون مضطرة لسماع الكلمات التي يصيحون بها في وجه أختي، لقد حُرمت من طفولتي بسببها، أنا أكرهها ولا أستطيع تحمل مسؤولية ذلك)، طلبت من أمها إنها تيجي تاخد أختها بنفسها من المدرسة.. أمها رفضت والتدبيسة زادت، ليندا كانت طفلة وديعة بمجرد ما تشوف أختها بدون ما تفتح بوقها تمد كفها ناحيتها عشان تيجي تمسكها.. يوم جر يوم جر يوم لحد ما في مرة "أوديري" خرجت من فصلها واتجهت ناحية المكتبة بتاعت المدرسة اللي هي المكان اللي متعودة تاخد أختها من قدامه.. ملقتهاش!.. سألت المشرفة اللي واقفة قالتلها إنها شافتها مع مجموعة من صاحباتها خارجة من المدرسة!.. يا نهار أسود خارجة إزاى دي لا بتعرف تتكلم ولا تتحرك لوحدها وبعدين مين صاحباتها اللي خرجت معاهم دول دي ما تعرفش حد!.. ملقتش إجابة.. طلعت جرى زي المجنونة من باب المدرسة وجريت بسرعة رهيبة هي نفسها بتقول أول مرة تكتشف إنها تقدر تجري بالسرعة دي لدرجة إنها قربت تفقد وعيها وحست إن جنبها هينفجر من الألم.. كانت بتخبط بجسمها طول الطريق في كتل الأطفال اللي ماشيين وتنط لفوق وهي بتجري عشان تحاول تشوف أختها وسط الناس.. مفيش.. فضلت تجري لحد ما وصلت للطريق السريع بتاع المدينة اللي هما فيها.. فيه كوبري مشاة بيمر فوق الطريق الخطر ده.. لقت أختها قاعدة على طرف النهر ومدلدلة رجليها لتحت وشعرها بيطير بسبب الهوا اللي بيعمله مرور العربيات السريعة من وراها وملامحها مفيهاش أي أحاسيس.. "أوديري" مافهتمش إيه اللي جاب أختها هنا وإزاي وصلت.. خدت قرارها إنها تعدي الطريق عشان تجيبها.. بمجرد ما نزلت رجلها اليمين من على الرصيف سمعت صوت.. فوووووووو.. عربية لورى ضخمة عدت وكانت هتخبطها.. رجعت خطوة لورا.. جربت مرة تانية.. فووووووو.. عربية تانية فرجعت تاني.. لمحت بطرف عينها شلة العيال الغلسة إياهم بتوع المدرسة واقفين فوق الكوبري من فوق وبيضحكوا وبيرموا على أختها بواقي الأكل بتاعهم.. بواقي الأكل كانت بتخبط في وش"ليندا" وتقع في النهر و"ليندا" لسه بتبص لقدام بدون أي رد فعل.. يرموا أكتر.. يضحكوا أكتر.. "أوديري" تتغاظ أكتر.. تاخد قرار إنها لازم تعدي.. تسحب نفس وتجري بأقصى سرعة وكل اللي في بالها حاجة واحدة بس إنها توقف الهجوم على أختها.. تعدي للناحية التانية بأعجوبة من لوكشة العربيات المجنونة وتوصل لأختها.. تبص لفوق للعيال فوق الكوبرى وتصرخ فيهم: (توقفوا حالًا وإلا قتلتكم).. بتقول أوديري: (بسبب صراخى توقف بالفعل بعضهم عما يفعله وواصل البعض الآخر غير مهتمين بكلامي).. ماحستش بنفسها إلا وهي بتتشعبط فوق السور اللي بيطلع على الكوبري عشان توصل لهم.. العيال جاتلهم لحظة تنبلة وصمت مش فاهمين إيه اللي المجنونة دي هتعمله!.. هي فعلًا طالعالنا!.. بمجرد ما وصلت عندهم رمت الشنطة التقيلة بتاعتها اللي فوق ضهرها على أكبر واحد سنًا فيهم ومسكت طوبة من الأرض ورمتها في دماغ التاني ومسكت العجلة بتاعت واحد منهم اللي كان راكنها على سور الكوبري رمتهاله من فوق وخربشت التالت بضوافرها في وشه شلفطتته.. العيال اتهبلوا وطلعوا يجروا زي الفيران لما لقوا قدامهم واحدة بالمنظر ده!.. خلص الموضوع ونزلت بنفس الطريقة للتبة اللي تحت جنب أختها.. قعدت جنبها.. بصت لقدام زيها.. فكّت التوكة والضفيرة اللي في شعرها زيها.. شعرها بقى يطير زي أختها بسبب سرعة العربيات اللي بتجرى وراهم.. بدون ما تكلمها ولا كلمة "أوديري" هي اللي المرة دي مدت إيدها ومسكت إيد أختها وضغطت عليها، وفي اللحظة دي يمكن من ساعة ولادتهم شافت "أوديري" ابتسامة"ليندا" ورجعوا بصوا تاني لقدام.. "أوديري" بتقول: (شعرت وقتها بجمال معنى أن يكون هناك إنسان مسئول منك، أو حتى أن تكون مسئول عن نفسك).

إنسان بدون تحمل للمسؤولية هو إنسان ماجربش يعيش بجد، ماجربش يعني إيه يحب حد أكتر من نفسه، أو يقف وقت الأزمة يحاول يحل بدل ما يهرب، أو يشيل همّ غيره بإيده وهو مطمن إن ربنا مادام كلفه يبقى هيعينه، ماجربش معنى إن وجوده يكون أمان لغيره مش عبء عليهم.

اللي بيهرب من المسؤولية يمكن يعيش مرتاح نسبيًا، بس عمره ما هيعرف إحساس إن يكون له قيمة، ولا هيشوف نظرة تقدير في عين اللي اعتمد عليه ولقاه قدّها..المسؤولية مش عبء لكن امتحان بيكشف إن جواك إنسان يستحق الثقة، ويقدر يكون سبب نجاة حد تاني، ولا نطع قرر يكمل حياته معتمد على غيره للأبد.

تابع مواقعنا