الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

دور الشركات الناشئة في دعم الاقتصاد المستدامدور الشركات الناشئة في دعم الاقتصاد المستدام

دور الشركات الناشئة في دعم الاقتصاد المستدام

دكتور علي عبد الله
مقالات
دكتور علي عبد الله مساعد رئيس تحرير القاهرة 24
الأربعاء 12/نوفمبر/2025 - 09:43 م

في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو الاقتصاد الأخضر، لم تعد التنمية المستدامة خيارًا أو رفاهية، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تمس جوهر بقاء المجتمعات وقدرتها على المنافسة، ومع تصاعد التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، برزت الشركات الناشئة كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل أكثر توازنًا واستدامة، يجمع بين النمو والوعي والمسؤولية، فلم تعد الشركات الناشئة مجرد مشروعات صغيرة تبحث عن الأرباح السريعة، بل تحولت إلى قوى تغيير حقيقية تسعى لإحداث أثر إيجابي في الاقتصاد والمجتمع والبيئة في آنٍ واحد.

الشركات الناشئة فلسفة جديدة لريادة الأعمال

ما يميز الشركات الناشئة الحديثة أنها لا تنطلق فقط من فكرة تجارية مبتكرة، بل من رؤية مجتمعية وإنسانية أوسع، فجيل الرياديين الجدد يدرك تمامًا، أن السوق لم يعد يقبل شركات تحقق أرباحًا على حساب البيئة أو العدالة الاجتماعية، بل يبحث عن نماذج تحقق التوازن بين الكسب والمسؤولية.

هذه الفلسفة الجديدة في ريادة الأعمال تُعرف عالميًا باسم "الريادة المستدامة"، وهي تقوم على الدمج بين أهداف الأعمال ومبادئ التنمية المستدامة، فبدلًا من التركيز فقط على مؤشرات الربح والخسارة، تضع الشركات الناشئة اليوم البصمة البيئية والاجتماعية ضمن معايير نجاحها.

الاقتصاد المستدام مفهوم يتجدد

الاقتصاد المستدام هو ذلك النموذج الذي يوازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، بمعنى أنه يسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية دون استنزاف الموارد الطبيعية أو الإضرار بالإنسان، تأتي الشركات الناشئة كحلقة وصل بين الابتكار والتطبيق العملي؛ فهي أسرع في التكيف مع المتغيرات، وأكثر مرونة في تبنّي الأفكار الجديدة مقارنة بالشركات الكبرى، وذلك من خلال التكنولوجيا الخضراء، المشروعات البيئية، والحلول الرقمية الموفّرة للطاقة، أصبحت الشركات الناشئة محركًا فعالًا لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، وخاصة تلك المتعلقة بالعمل اللائق، النمو الاقتصادي، والطاقة النظيفة.

كيف تساهم الشركات الناشئة في دعم الاقتصاد المستدام؟

  • خلق فرص عمل خضراء

الشركات الناشئة، بطبيعتها، تولد وظائف جديدة في مجالات حديثة، مثل إعادة التدوير، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا النظيفة، والزراعة الذكية. هذه الوظائف ليست مجرد مصدر دخل، بل هي فرص عمل مستدامة تساهم في بناء كفاءات بشرية قادرة على التعامل مع تحديات المستقبل.

  • تحفيز الابتكار البيئي

من أبرز إسهامات الشركات الناشئة أنها تدفع نحو ابتكار حلول لمشكلات البيئة والمناخ، مثل التطبيقات الذكية لترشيد استهلاك المياه، والمشروعات التي تعيد تدوير النفايات وتحولها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، فهذه الأفكار الصغيرة قد تُحدث تحولًا ضخمًا في طريقة إدارة الموارد على مستوى الدول.

  • دعم الاقتصاد الدائري

الاقتصاد الدائري هو نموذج إنتاج واستهلاك يهدف إلى إعادة استخدام المواد وتقليل الفاقد، فالعديد من الشركات الناشئة تعمل وفق هذا المبدأ، مثل المشاريع التي تجمع المخلفات البلاستيكية لإنتاج مواد بناء صديقة للبيئة، أو تلك التي تعيد تدوير الأقمشة لصناعة الأزياء المستدامة.

  • التحول الرقمي كأداة استدامة

بفضل الرقمنة، أصبح بالإمكان تقليل التكاليف والانبعاثات عبر العمل عن بُعد، وإدارة البيانات بكفاءة، ومراقبة الاستهلاك.
الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء تسهم بشكل مباشر في خفض البصمة الكربونية وتحسين كفاءة الطاقة في القطاعات الصناعية والزراعية.

  • تمكين المجتمعات المحلية

كثير من الشركات الناشئة تُبنى على فكرة خدمة المجتمع المحلي، سواء بتوفير فرص عمل في القرى والمناطق النائية، أو بتقديم منتجات موجهة لتحسين جودة الحياة، فهذه الشركات تخلق دورة اقتصادية صغيرة لكنها مؤثرة، تُعيد توزيع الدخل وتحد من الفقر.

تجارب ناجحة من حول العالم

كينيا، على سبيل المثال، ظهرت شركة ناشئة توفر حلولًا للطاقة الشمسية بأسعار مناسبة للأسر الفقيرة، عبر نظام دفع بالتقسيط باستخدام الهاتف المحمول، هذه الفكرة البسيطة أسهمت في إنارة آلاف المنازل دون أي انبعاثات كربونية.

أما في مصر، انتشرت شركات ناشئة تعمل في إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية والمنزلية، مما ساعد في تقليل التلوث البيئي وخلق فرص عمل جديدة في مجال الاقتصاد الأخضر.

أما في أوروبا، فشركات التكنولوجيا الزراعية الناشئة مثل ألمانيا، أحدثت ثورة في مجال الزراعة داخل المدن باستخدام نظم الزراعة الرأسية الذكية، التي توفر الماء والمساحة والطاقة في آنٍ واحد.

التحديات التي تواجه الشركات الناشئة المستدامة

رغم كل هذا الزخم، لا تزال الشركات الناشئة التي تعمل وفق مبادئ الاستدامة تواجه عقبات كبيرة، أبرزها:

  • صعوبة التمويل: لأن بعض المستثمرين يفضلون العوائد السريعة على المشروعات طويلة الأجل.
  • غياب الوعي المجتمعي بقيمة المنتجات والخدمات المستدامة.
  • التشريعات التقليدية التي لا تواكب التطور في الاقتصاد الأخضر.
  • محدودية الدعم الحكومي في بعض الدول النامية.

لكن مع ذلك، بدأت الحكومات والمؤسسات المالية الكبرى تدرك أهمية دعم هذا النوع من المشروعات.

ظهرت برامج مثل التمويل الأخضر وحاضنات الابتكار المستدام لتشجيع رواد الأعمال على إطلاق أفكارهم.

مستقبل الشراكة بين القطاعين العام والخاص

تحقيق الاقتصاد المستدام لا يمكن أن يكون مسؤولية الشركات الناشئة وحدها، بل يتطلب شراكة متكاملة بين الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني.
الحكومات مطالبة بتوفير بنية تشريعية ومالية محفّزة، بينما يجب على الشركات الكبرى التعاون مع الناشئة لتطوير سلاسل إمداد أكثر استدامة.

فالتنمية المستدامة ليست شعارًا بيئيًا فقط، بل هي منظومة اقتصادية متكاملة تعيد تعريف النجاح على أساس الأثر الإيجابي لا الأرباح وحدها.

الشركات الناشئة اليوم تمثل الأمل الواقعي في بناء اقتصاد أكثر توازنًا وإنسانية. فهي تُجسّد فكرة أن الابتكار يمكن أن يخدم الإنسان والبيئة في آنٍ واحد.
وفي عالم يتغير بسرعة، ستكون الدول التي تدعم هذه الشركات وتدمجها في خططها الاقتصادية هي الأكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام طويل الأمد، قائم على الإبداع والمسؤولية.

دعم الشركات الناشئة المستدامة ليس مجرد سياسة اقتصادية، بل هو استثمار في المستقبل ـ مستقبل لا يُقاس فقط بما نحققه من أرباح، بل بما نتركه من أثر إيجابي للأجيال القادمة.

تابع مواقعنا