الليثي وأشياء أخرى
ماكنتش من المستمعين للمطرب الراحل إسماعيل الليثي.. كمان ماكنتشأ سمع عنه هو شخصيًا قبل السنة اللي فاتت بعد وفاة ابنه رضا.. وقتها دخلت وعرفت عنه كتير، وعرفت إن هو صاحب أغنية سألت كل المجروحين اللي كانت منتشرة من كذا سنة، وماكنتش عارف مين صاحبها.
ملامح إسماعيل وهو بياخد عزاء ابنه السنة اللي فاتت كانت كلها كسرة وقهرة ربنا ما يكتبهاش على أي حد.. في آخر 4 أيام ومن وقت وفاة إسماعيل اتفرجت على أكتر من حوار مع قرايب وأصدقاء له كلهم أجمعوا على طيبته وجدعنته اللي كانوا باينين عليه.. معرفش كمان إيه شدني أدخل أتفرج على لقاءات تليفزيونية له في كذا قناة على يوتيوب عشان اتعرف أكتر على الإنسان ده.. مش محتاج وقت طويل وأنت بتسمعه عشان تتأكد إن الراجل ده طيب بجد ومش مصطنع وضحكته كانت صافية طالعة من قلبه.
في واحد من اللقاءات اللي تمت مع جاره كان بيتكلم عن علاقة رضا ابن إسماعيل ثم علاقة إسماعيل نفسه بعد وفاة الابن بـ الكلب اللي عندهم!.. رضا كان مربي كلب وكان يعتبر هو صديقه الأقرب ووقت جنازة رضا السنة اللي فاتت كان الكلب نايم جنب قبره وعليه حزن لو اتوزع على كل اللي موجودين هيكفي ويفيض.. الجار في جنازة إسماعيل كان بيحكي إزاي إن إسماعيل قرب أكتر من الكلب بتاع رضا بعد وفاة ابنه وكان بيدلعه عشان يعوضه عن غياب رضا وبالفعل الكلب اتعلق بـ إسماعيل كمان.
لكن بعد وفاة إسماعيل اتحول الكلب لهيكل عظمي من الزعل المضاعف اللي اتكرر في أقل من سنة!.. في أثناء اللقاء هتشوف بسهولة الدموع في عيون الكلب والزعل على ملامحه وكإنه بيقول آدي طيب تاني بيروح من الدنيا.. الحقيقة إن هي دي معادلة الدنيا اللي كلنا عارفينها مسبقًا ورغم كده بنتخض لما بتفاجئنا بنتايجها.. دايمًا الطيبين بيمشوا الأول.. بيخلصوا امتحانهم بدري بدري وبيمشوا قبل نص الوقت.. بيعملوا في سنين بسيطة قد اللي بيحاول غيرهم يعمل ربعه حتى في ضعف المدة وبيفشلوا عشان كده بيسيبوا أثر طيب في عيون وقلوب كل اللي بيتعاملوا معاهم حتى الحيوانات.
في التسعينيات الكاتب دان كلارك كتب عن قصة حقيقية انتشرت في أكتر من كتاب وصحيفة.. القصة حصلت في محل بيع كلاب مكتوب على اليافطة بتاعته جملة كلاب للبيع.. دخل ولد صغير سنه مش أكتر من 7 سنين للمحل وسأل صاحب المحل عن سعر الكلاب الصغيرة.. الراجل قاله إن أسعارهم بتتراوح من 30 لـ 50 دولار.. الولد طلع الفلوس اللي في جيبه وكانوا 2 دولار و37 سنت بس!.. الولد لما لقى الفلوس اللي في جيبه قليلة طلب من صاحب المحل إنه حتى يبص بصة عليهم بس.. صاحب المحل قاله مافيش مشكلة.. نده على المساعدة بتاعته.. خرجت من جوه ووراها 5 كلاب صغيرين بيجروا حواليها.. الولد لاحظ إن فيه كلب منهم بالذات كان بيحاول يجري زي باقي الكلاب بس مش عارف وبينط وبيعرج!.. الكلب الأعرج الصغير ده قرب قرب قرب من الولد لحد ما بقى تحت رجليه وقعد يتنطط حواليه ويلحس فيه كأنه عارفه ومبسوط بوجوده!.. الولد سأل صاحب المكان: ماذا أصاب هذا الكلب الصغير؟.. قاله الطبيب البيطري إنه مولود بعيب خلقي في مفصل الورك وسيظل هكذا طوال عمره.. الولد إنشكح وقاله: إن هذا الكلب الصغير هو ما أردت شراءه.. صاحب المحل رد: لا طبعًا لن أبيعه لك لأنه معيوب؛ لكن إن أردت أن تأخذه فخذه مجانًا.
الولد ثار وقال بعصبية وليه ببلاش! وهو الكلب ده ناقصه إيه ما هو زيه زي باقي الكلاب ويستحق اللي هما يستحقوه وأنا هدفعلك تمنه كامل هديك دلوقتي الـ2 دولار والـ37 سنت وكل شهر هديك 50 سنت.. الراجل قاله وهو مستغرب: هذا الجرو لن يستطيع أن يجري ويقفز ويلعب معك مثل باقي الكلاب الأخرى!.. الولد الصغير لما سمع كدة وطّى شال الكلب وباسه وبعد كدة رفع جزء من بنطلونه وبان تحتها الساق الصناعية بتاعته وقال لصاحب المحل: ليست مشكلة فأنا أيضًا لا أستطيع أن أجري؛ وهذا الكلب سوف يحتاج إلى شخص يتفهّم هذا.
الطيبين بيلاقوا بعض.. وجود الطيبين هو اللي حافظ جزء مش قليل من اتزان الكرة الأرضية.. الموضوع ملوش علاقة بدين، أو جنسية، أو نوع.. وجود شخص طيب في دايرة معارفك بيهون كتير.. محدش يستعر من طيبته لأنها مش عيب.. مفيش طيب أهبل.. مفيش طيب مش جدع.. مفيش طيب مش حساس.. الطيبين هما الأكتر عرضة للاكتئاب من كُتر حساسيتهم.. دايمًا الطيبين بيمشوا الأول من الدنيا.. بيخلصوا امتحانهم بدري بدري وبيمشوا قبل نص الوقت.. بيعملوا في سنين بسيطة قد اللي بيحاول غيرهم يعمل ربعه حتى في ضعف المدة وبيفشلوا عشان كده بيسيبوا أثر طيب في عيون وقلوب كل اللي بيتعاملوا معاهم.. بيزيد العالم قسوة ووحشية لما الطيبين بيقلوا، وبيزيد الناس حمورية وغباء كل ما يبعدوا عنهم إنسان طيب، ووقتها لا بيعرفوا يسامحوا نفسهم من تقصيرهم في حقه، ولا بيقدروا يعوضوه.
