بدون كلام أفضل
في زمن بقى الكلام فيه تقريبًا ببلاش بسبب كترته وسهولته بانت أهمية وقيمة الفعل اللي بقى وجوده نادر، واحد من أهم أسباب الانفصال بين أي طرفين عالميًا مش في مصر بس هو قلة الأفعال، تلاقي الصوصوة والفراش الطاير ماليين حياة الاتنين قبل الارتباط لكن بعد فترة أو حتى بعد الارتباط الرسمي تبتدي الحياة تبقى جافة! وحتى على مستوى الصداقة، هتلاقي الكلام عن الجدعنة والأخوة مالوش آخر لكن بعد موقف واحد بس حقيقي تتعرض له هتكتشف إنك كنت مسنود على وهم تحت اسم صديق.. والسبب؟.. الكلام المتذوق بالكوم، وجرام الأفعال بيدوروا عليه وسط كوم قش ومش بيلاقوه.
فيه بنت اسمها "سينثيا إم. هاموند" عندها 15 سنة كتبت في باب القصص الإنسانية في جريدة "نيويورك تايمز" موضوع بـ عنوان طويل: “رغم أنهما يعشقان بعضهما البعض لكن أمي لا تتحدث مع أبي منذ 5 سنوات، وأبي سعيد بذلك حقًا”، الموضوع بدأ لما الأم عرفت إنها مصابة بـ مرض بيمنع وصول الدم لـ المخ، وبالتالي حسب تشخيص الدكاترة هتموت في خلال 3 شهور، بس ممكن يكون فيه أمل إنها تعيش أكتر لو اتعمل لها عملية معقدة شوية، غير إن العملية كانت صعبة بس برضه الفكرة كمان إن العملية اتعملت قبل كده لـ 12 شخص في العالم، وتلاتة بس منهم هما اللي فلتوا من الموت! بالبلدي خربانة خربانة.
عشان كده كانت الأسرة الصغيرة المكونة من "سينثيا" وأمها وأبوها قدام قرارين الاتنين أصعب من بعض، يا إما مخاطرة العملية، يا إما الموت، الأب والأم كانوا واقفين ورا الباب الزجاجي لـ أوضتهم قافلين على نفسهم وبياخدوا القرار، "سينثيا" شايفة الحوار بس مش سامعاه! كانت شايفة انعكاس الظل بتاعهم من ورا زجاج الباب، الجسمين تقريبًا لازقين في بعض، ماسكين في إيدين بعض، الراسين مايلين على بعض من ناحية الجبهة زي ما اتعودوا وكأنهم بيتكلموا.
"سينثيا" مش سامعة حرف بس لاحظت إن فيه رعشة في جسم أمها وأبوها! في خلال الكام دقيقة دول افتكرت "سينثيا " تفاصيل علاقة أبوها وأمها، الاتنين وهما عيال كانوا أيتام وفي دار واحدة، ولأن الحب الحقيقي دايمًا بيتولد في قلب الظروف الصعبة حبوا بعض، اتجوزوا، الست وقفت جنب الراجل لحد ما كون نفسه وبقى عنده بيت وعربية.
فيه أيام كانت بتعدي عليهم حرفيًا بدون أكل بس عدت، لما خلفوها إدوها كل اللي إتحرموا منه في طفولتهم "أمان، حب، رعاية.. حتى لما حصل موضوع تعب أمها في الكام يوم اللي فاتوا كان الأب بيحميها.. بيأكلها.. بيرجع من شغله اللي مدته أساسًا 9 ساعات عشان يخدم مراته على الأقل 4 ساعات كل يوم وبيرفض تمامًا إن "سينثيا "تعمل لها أي حاجة! "سينثيا" بتقول: (وجد كل منهما وطنه في الآخر".
فجأة طلع الأب والأم من الأوضة واخدين قرار العملية، تاني يوم كانوا في المستشفى، أمها قعدت فوق سرير العمليات المتحرك وخدروها، الممرضة بتزق السرير لـ أوضة العمليات أبوها كان ماسك إيد أمها وهي نايمة، دخلت الأم العمليات، رغم إن فيه مكان لاستراحة المرافقين لكن "سينثيا" بتقول إن أبوها صمم يقعد على الأرض!
ضامم ركبته على صدره ومشبّك إيديه قدام ركبته ودافن راسه في النصف وبيعيط زي العيال!.. استمرت العملية 7 ساعات، وهو استمر على نفس الوضع! البنت بتقول إنها ماحستش بنفسها غير وهي بتضم راسه لـ صدرها وحست إن هو اللي إبنها مش هي! العملية نجحت "سينثيا" بتقول: (نجت أمي من الموت لكنها فقدت قدرتها على الكلام بسبب مضاعفات العملية ولذلك لم تتحدث أمي إلى أبي منذ 5 سنوات لكن أبي سعيد جدًا بذلك!).
بس بعد كده هو مين أساسًا محتاج لـ كلام الأفعال، الأفعال حضورها طاغى ومحدش بيعوز معاها كلام كلمة "بحبك" من كُتر ما بقت سهلة تتقال فقدت جمالها ومبقتش بتتصدق سادة لوحدها "حبيبى" بدون وقفة في شدة ملهاش لزمة.. بدون ما تتلزق في فعل بتبقى ملزقة، فل اتقالت اتعمل بيها؟، ولا فضلت في نفس الزاوية والركن؟، مجرد كلمة! ادوا قيمة لـ حبكم بالأفعال وبلاش لعب عيال وكلام في كلام "الفعل"، الأديب "بهاء طاهر" في مجموعته القصصية "أنا الملك جئت" بيقول: لم أسمعه مرة يكلمها عن الحب ولا سمعتها هي تتكلم عنه، ولكنها حين كانت تسانده على أن يلبس جلبابه، حين تسند ظهره لتسقيه، حين تدلك له ذراعه وقدميه بأصابعها، كانت هذه الأصابع تنطق شيئا يتجاوز الحب ذاته.
الكلمة الحلوة مهما كانت مطلوبة لكن عمرها ما هتقوم مكان الفعل، المحبة الحقيقية مالهاش "صوت" لكن "أثر" سببه فعل خارج من القلب، فيه ناس بتسيبلك كلام، وناس بتسيبلك سند، سيبوا بصمتكم بالفعل لإنه مش بيتمثل وصعب على اللي بيمشى حاله، ومش بيعمله إلا حد بيحب فعلًا، كده كده هتيجي لحظة الكلام يخلص فيها، والفعل بس هو اللي هيكمل الحكاية.


