ورد وشوكولاتة
يأتي هذا المسلسل ليحجز مكانه بجدارة بين أبرز أعمال الموسم، ليس فقط بجرأة طرحه، بل بقدرته على تحويل قصة إنسانية غامضة إلى دراما مشوّقة وعميقة دون الوقوع في فخ استنساخ الوقائع أو إعادة تمثيل أحداث بعينها.
ورغم أن الجمهور سارع منذ اللحظة الأولى لربط العمل بقضية مقتل المذيعة شيماء جمال، إلا أن الحقيقة مثلما أكد المنتج جمال العدل أن المسلسل مأخوذ عن رواية (في رواية أحدهم)، وهي بدورها مستوحاة من أحداث واقعية عامة لا ترتبط بواقعة محددة، وأنا أوافقه تمامًا، فالقصة تستحق المشاهدة بعيدًا عن أي مقارنات، لأنها تسلّط الضوء على كيف يمكن لأشخاص عاديين تحت ظروف معينة أن يتحولوا إلى قتلة؟ وخارج إطار أي قضية مشهورة يدرك المشاهد أن العمل لا يقدّم توثيقًا بل رؤية فنية خالصة يحتفظ صناعها بسرّ حقيقتها.
أما محمد فراج مرة جديدة يثبت أنه ممثل من طراز رفيع، فنان دخل المهنة بموهبة خالصة لا بحثًا عن شهرة سريعة بل قدّم أحد أكثر أدواره نضجًا شخصية متقلبة بين اللطف والظلام، تجعل المشاهد يشعر بأن ما يراه ليس تمثيلًا بل حياة تتكشف أمامه بهدوء وعمق، لذلك لم يكن غريبًا أن يصرّح جمال العدل أن محمد ممثل ذو قماشة عريضة وكان أول اختياراته للبطولة.
وما كان من مروة أو زينة إلا أن تعبّر عن قدراتها بثوبٍ جديد، لتقدّم نفسها في واحدة من أقوى محطّاتها الفنية وقدرتها على إقناع المشاهد بأن ما يراه شخصية من لحم ودم، لا مجرد أداء تمثيلي هو علامة نضج فني لا يصل إليه إلا فنان يثق في أدواته وقدراته، ويعرف كيف يوظّفها ويبدو أن زينة وصلت لهذه المرحلة تمامًا في هذا المسلسل
ونأتي لمراد مكرم الذي يقدّم أداءً لافتًا يرسّخ حقيقة أنه ليس مجرد ممثل جيد أو فنان شامل يجيد حتى الغناء بعدة لغات، بل ممثل قادر على حمل الشخصيات الثقيلة بأداء طبيعي خالٍ من المبالغة، وربما جاء مشهد مقتل مروة ليكشف جانبًا جديدًا في موهبته، جانبًا يحمل من القسوة المركبة النفسية ما يكفي لزعزعة قلب المشاهد.
موهبة مراد تستحق مساحات أكبر ليس فقط لأنه يمتلك أدوات فنية حقيقية، بل لأن أداءه في هذا العمل بدا كرسالة واضحة أن هنا يقف فنان يستحق دورًا بقدر حجمه وإمكاناته.
وأنا كأهلاوي صميم معتاد على المزاح ومشاكسة مراد على الفسس بوك بسبب زملكاويته العريقة للقلعة البيضاء، إلا أنني أعترف أن هذا المشهد تحديدًا جعلني أعيد التفكير تماما في طريقة مشاكستي له بسبب كرة القدم، المزاح علي الأهلي والزمالك انتهى تمامًا بعد هذا الأداء المرعب!
في النهاية وسط سيل من الأعمال التي قد تخذل المشاهد أحيانًا يأتي ورد وشوكولاتة ليقدّم رسالة واضحة، فالمشاهد المصري ذواق بطبيعته يطارد العمل الجيد أينما كان حتى لو عُرض على منصات مدفوعة لأن الجودة بالنسبة له تستحق أن تُلاحق مزالت الساحة الفنية تضم فنانين قادرين على الإبداع الحقيقي، وعلى تقديم عمل يُشبع المتلقي ويعيد إليه ثقته بالدراما
أبطال هذا المسلسل احترموا عقل المشاهد، وقدّموا أفضل ما لديهم، فاستحقوا احترام الناس وتقديرهم.


