هل تعرض المسار الناشئ في علاقة حماس وواشنطن برعاية تركية لانتكاسة مبكرة؟
تتسارع التطورات المرتبطة بملف غزة على نحو يكشف عن محاولات لإعادة هندسة قنوات الاتصال بين حركة حماس والإدارة الأمريكية، ضمن سياق تتحرك فيه تركيا لتكريس نفسها وسيطًا مركزيًا، لكن الأنباء المتداولة عن إلغاء اللقاء المزمع أو تأجيله بين ستيف ويتكوف وخليل الحيّة، نتيجة ضغوطات إسرائيلية، تشير إلى هشاشة هذا المسار وإلى أنّ التحرك لا يزال في مراحله الأولى وغير المستقرة.
1- الدور التركي.. وساطة تبحث عن ترسيخ نفوذ
تسعى أنقرة لصياغة معادلة جديدة تمنحها موقعًا أساسيًا في إدارة المشهد الغزّي، مستندة إلى قنوات اتصال مباشرة مع قيادة حماس وتنسيق متقدّم مع واشنطن، هذا الحراك يتماشى مع توجّه أوسع لدى تركيا لإعادة تثبيت دورها في الإقليم وربط الأطراف المتباعدة سياسيًا، بما يشبه ما تقوم به في ملفات أخرى.
2- اللقاء الملغى أو المؤجل.. مؤشر على تعقيدات المسار
كان يُنظر إلى اللقاء الذي كانت ترتّب له أنقرة بين ويتكوف والحيّة باعتباره اختبارًا أوليًا لفتح قناة مباشرة بين واشنطن وحماس بعد سنوات من القطيعة.
غير أن الأنباء عن إلغائه بفعل ضغوطات إسرائيلية أو تأجيله بسبب اللقاء مع زيلينسكي، تكشف حجم التحفّظات التي لا تزال تؤثر في أي محاولة لاختبار هذا المسار، فإسرائيل تُدرك أن مجرد انعقاد اللقاء يحمل دلالة سياسية تتعارض مع حساباتها في مرحلة ما بعد الحرب.
3- مرونة حماس.. تكتيكية لا تمسّ الثوابت
تبدي حماس استعدادًا لمناقشة ترتيبات انتقالية في غزة، بما في ذلك صيغ محدودة للشراكة مع أطراف فلسطينية أخرى، لكن هذه المرونة تبقى في الإطار التكتيكي، ولا تمتد إلى قضايا جوهرية مثل سلاح الحركة أو بنيتها التنظيمية، فأي تغيير من هذا النوع يحتاج إلى توافق داخلي وضمانات دولية لم تتوفر بعد.
4- سيناريو استبدال السلطة الفلسطينية.. طرح غير واقعي حتى الآن
رغم تداول فرضيات حول إمكانية أن تسعى واشنطن لإدماج حماس في صيغة سياسية بديلة للسلطة الفلسطينية، فإن هذا الطرح ما يزال نظريًا وغير قابل للتنفيذ في الظروف الحالية.
الممانعة الإسرائيلية، والخلافات الفلسطينية الداخلية، وتعقيدات البيئة الإقليمية، تجعل السيناريو أقرب إلى نقاشات غرف مغلقة منه إلى مشروع قابل لأن يرى النور قريبًا، الأكثر ترجيحًا يبقى البحث في إدارة انتقالية للقطاع تضم أطرافًا عدّة دون تعديل بنية القيادة الفلسطينية بشكل كامل.
5- حسابات المصالح.. واشنطن تبحث عن مكاسب ميدانية والحركة عن ضمانات سياسية
تتعامل واشنطن مع الملف من زاوية احتياجات إنسانية وأمنية وتثبيت خطوط التهدئة، في المقابل، تسعى حماس للحصول على ضمانات تتعلق بإعادة الإعمار والإدارة المدنية ومكانتها السياسية غير المباشرة، وهنا يبرز الدور التركي كوسيط قادر على تقديم تطمينات للطرفين، لكن حادثة إلغاء اللقاء تُظهر أن قدرة أنقرة على موازنة الضغوط ليست مطلقة.
الخلاصة في هذا المشهد.. مسار ناشئ يتعرض لاختبار مبكر.
فتركيا تتحرك لانتزاع موقع الوسيط الرئيسي في ملف غزة.
وواشنطن تدرس فتح مسار سياسي محدود مع حماس، لكن بحذر شديد.
أما حماس فتبدي مرونة محسوبة، دون أي تغيير في ثوابتها المركزية.
والضغوطات الإسرائيلية تظل عاملًا حاسمًا في تحديد حدود ما يمكن أن يحدث.
ولكن ما جرى بشأن إلغاء اللقاء أو تأجيله يؤكد أن المسار الجديد لم يتبلور بعد، وأن أي تقدم فيه سيظل مرهونًا بمدى قدرة الوسطاء وفي مقدمتهم أنقرة على تجاوز الاعتراضات الإسرائيلية وصياغة مساحة مشتركة مقبولة بين حماس وواشنطن.


