الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

هل كانت مجرد أصوات أم كان حضورًا للعظماء؟!

الأربعاء 26/نوفمبر/2025 - 04:36 م

في مساء ليلة خريفية جلست فيها وحيدًا شاردًا مفكرًا واستمعت بداخلي الي أصوات تسأل وانا احاول ان أجيب !! كان  السؤال الأول: أين إحسان عبد القدوس اليوم؟ أين ذلك القلم الذي كان يكتب بعيونٍ مفتوحة على النار والحرية والحبّ معًا؟ هل اختفى في أرفف مكتباتٍ يعلوها الغبار أم ما زالت روحُه تنتقل بين قرّاءه الباحثون عن معنى الجرأة وعن قلبٍ لا يخشى أن يقول لا في وجه العاصفة؟ لقد كان إحسان يكتب ليصنع شقوقًا في جدران الصمت وكلما قرأنا له اليوم نسمع دقات تشبه دقّات مسمارٍ يحاول أن يفتح نافذة.

وارتفع صوت أكثر كأن الذاكرة تستدعي وجوهًا رحلت وبقيت آثارها كظلٍ على جدار النهار وسألني: وأين مصطفى وعلي أمين؟ أين تلك الأرواح الصحفية التي كانت تصنع من الكلمة حدثًا ومن المقال ساحةً تتصارع فيها الأفكار؟ هل اختفت أقلامهما في زحام الشاشات أم ما زال صداها يسكن صباحات القرّاء الذين يشتاقون إلى زمنٍ كانت فيه الجريدة وطنًا ؟ إنهما اليوم في مكانٍ ما ليس بعيدًا عن كل يدٍ تمتدّ لتقرأ بصدق ولا عن كل قلبٍ عرف أن الصحافة كانت يومًا مواجهة ومغامرة ومسئولية حقيقية.

وتستمع أذني إلى سؤال آخر: هل بقي أثرٌ لنجيب محفوظ؟ ذلك الذي كان يمشي في دروب القاهرة وكأنه يمشي في ذاكرة الكون؛ يلتقط الأرواح من زحام الأزقة ويرتبها على الورق كما يرتب الصائغُ عقدًا من حكايات، هل ما زالت شخصياته تعيش بيننا تختبئ في المقاهي وفوق الكباري، وفي نظرات العابرين؟  نعم وألف نعم ما زال محفوظ حيًا فالحكاية لا تموت والمدينة التي كتبها لا تزال تنطق بلغته وكل قارئ يدخل عالمه يجد نفسه أمام مرآةٍ تكشف ما خفي من روحه ومن الوجود.

ثم يظهر صوت آخر بصلابته وجرأته الأدبية: يوسف إدريس؛ أين ذهب صوته الإنساني؟ أين تلك القصص التي كانت تشبه صرخةً داخل الصمت؟  يبدو أثر إدريس ربما قد لا تراه العين دائمًا ولكنه قادرٌ على إشعال نار السؤال في أي لحظة، ففي رأيي أن كل كاتب يحاول أن يقترب من الإنسان العاري بلا رتوش وبلا أقنعة يحمل في داخله شيئًا من يوسف إدريس.

وأخيرًا سألني صوت عن الحكيم (توفيق الحكيم) بهيبته المسرحية وفلسفته البسيطة التي تخترق الأعماق دون جهد، هل لا يزال له أثر؟ ربما أكثر مما نظن؛ فالحكيم هو ذلك الصوت الذي كان يبحث دائمًا عن العلاقة الغامضة بين العقل والخيال، بين الإنسان وقدره، يكفي أن نعيد قراءة: عودة الروح أو أهل الكهف، حتى ندرك أن الحكيم لم يغادر فهو يجلس في الصفوف الخلفية من وعينا يبتسم كلما فكر أحدنا في معنى الوجود.

وهكذا حين نسأل أين هم اليوم؟ نكتشف أن السؤال ليس عن الغياب، بل عن حضورٍ يتخذ شكلًا آخر رافدا على أرفف المكتبات التي لا نقربها، لقد غادروا بأجسادهم لكن آثارهم تسكن اللغة؛ إنهم هناك في الكتب التي لم نفتحها بعد وبالحروف التي لم نكتبها وفي الأسئلة التي لا تزال تبحث عن إجابات لها في صدورنا وسط صخب العولمة والثورة التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي والبحث عن الهوية.

تابع مواقعنا