باب غير قابل للغلق
جميل إن كل اللي حواليك يكون عندهم استعداد لتقديم النصيحة، بس للأسف معظم الكل دول بيكون عندهم استعداد يعاتبوك ويلوموك ويسلخوك ويخرطوا على قلبك بصل لو ماسمعتش نصيحتهم خصوصا لو كلامهم طلع في النهاية صح ولسان حالهم بيقول لحظتها: (مش قولنالك!).. عشان كده بيكون فيه كذا سؤال فارضين نفسهم.. هل الاستماع للنصحية يعني بالضرورة الاستجابة ليها؟.. يعني لو فلان نصحني هل أنا مجبر على تنفيذ نصيحته؟.. طيب لو كلامه طلع صح في النهاية هل ده سبب يخليني ألوم نفسي على عدم سماع نصيحته؟.. هل ده سبب يخليه هو يعاتبني على عدم سماعه بدل ما يسيبني على أساس إن اللي فيا مكفيني؟..
الفكرة بس إن الوجع ساعتها بيبقى وجعين.. وجع صدمتي إن فيه اختيار ليا طلع غلط رغم إن كان بيتم تحذيري منه، ووجع العتاب اللي بينزل يأنب كل حتة في جسمي في أكتر وقت أنا محتاج فيه الاحتواء.. عشان كده بيبقى عظيم إنك تنصح لكن دون فرض.. وتحتوي دون عتاب.. وتوجه دون تأنيب.. لما "نيرمين" أخت صديقي محمد عز اتخطبت كانت شايفة خطيبها أحسن راجل في الدنيا دون منازع!.. قبل الخطوبة خلينا نرجع شوية كام شهر ورا.. "محمد"، و"نيرمين" اتنين إخوات عايشين مع والدتهم بعد وفاة والدهم الله يرحمه من 19 سنة!..
البنت جميلة ودكتورة شاطرة، الولد شاب وسيم وصاحب شركة ديكور محترمة، وأسرتهم ميسورة الحال بدرجة كبيرة.. ده خلّى فيه أريحية إن لا البنت مستعجلة على الجواز، ولا الوالدة بتضغط عليها عشان الخطوة، وكده كده النصيب ييجي وقت ما ييجي.. والدتهم ربتهم من صغرهم على حرية الرأي وعدم التشدد في أي حاجة.. اللي هو أنا واثقة فيكم وربتكم كويس وعندي يقين في صحة قراراتكم..
دخلت في يوم "نيرمين" على والدتها وأخوها وهي بتقول لهم أنا اخترت "بلال".. "محمد" بغيرة الأخ الطبيعية صمم يسأل عن "بلال".. سأل، وسمع كلام عنه خلاّه متحفظ على الخطوبة.. كلام له علاقة بـ إنه ولد بتاع بنات وكان له حكايات كتير قبل كده، وإن غالبا رغبته في خطوبة أخته سببها الطمع مش أكتر.. حصل خلاف بين "نيرمين" اللي كانت متمسكة باختيارها مهما حصل، وبين "محمد" اللي شايف إنه بيدافع عن مستقبل أخته اللي هي مسؤولة منه باعتباره الراجل..
الأم كانت حسمت الأمر لما سألت "نيرمين" بـ حنان: (عايزاه، ومرتاحة معاه؟).. "نيرمين" ردت: (أيوا يا ماما).. الأم قالت: (خلاص يا حبيبتي ييجي يشرفنا يوم الخميس).. "محمد" اعترض بس اعتراضه اصطدم بالموافقة المبدئية لـ الأم اللي كانت كلمتها زي السيف، واللي زي ما هي سايبة مساحة الحرية لـ أخته في الموقف ده هي برضه بتعمل المثل معاه في مواقف تانية كتير فاللي هو مش حريتك حلوة عشان ليك، ووحشة لأختك!.. جه "بلال"، وتمت الخطوبة.. مر شهر والتاني وبدأت نبوءة "محمد" تتحقق تدريجيا ومساوئ "بلال" ظهرت!..
استغلال لخطيبته وبيطلب دايما فلوس منها!.. إهمال غير منطقي ليها!.. قفشته كذا مرة مع كذا بنت!.. كل ده وإيه إحنا لسه في أول شهرين.. والنتيجة؟.. (مش عايزة أكمل معاه) قالتها "نيرمين" بانهيار، ومرارة.. الأم سألتها: (متأكدة؟).. البنت قالت أيوا.. طبعا كانت فرصة لـ "محمد" إنه يتمنظر بكلامه اللي طلع صح.. (مش قولتلكم، أهو شوفتم، لو كنتي سمعتي كلامي).. الأزمة إن "نيرمين" كانت فعلًا في موقف صعب ومش مستحملة حرف من حد واللي هو مش قادر يفهمه إنها مجروحة وبتلوم نفسها مليون لوم أكتر من اللي هو بيقوله قبل ما يقوله!.. ثورة "محمد" استقبلتها والدتهم بمنتهى الشِدة وهى بتقول له: (صوتك مايعلاش طول ما أنا عايشة).. رغم كلام الأم لكن "محمد" استمر في انفعاله، و"نيرمين" استمرت في البكاء اللي اتحول لـ نحيب..
فجأة رفعت الأم كف إيدها، ونزلت بيه على وش "محمد"!.. كانت صدمة مرعبة بالنسبة لواحد في سنه، وعُمر لا والده ولا والدته مدوا إيديهم عليه قبل كده.. صوت القلم خلّى حتى "نيرمين" تبص مخضوضة للموقف.. "محمد" خرج غضبان، والأم بصت لـ "نيرمين" وملامحها اتحولت في لحظة لـ طاقة من الحنان حضنت بنتها تحت تأثيرها.. قالت: (مش مهم اختيار طلع غلط، مش مهم 10 اختيارات يطلعوا غلط حتى!، أنا جنبك).. كلمتين كان ليهم مفعول السحر على "نيرمين" وأنقذوها من حافة انهيار نفسي، وعصبي!.. بس كده؟.. لأ.. الأم صممت إن البنت تقوم تلبس عشان يخرجوا تعزمها على العشاء، ويدخلوا سينما..
"نيرمين" اعتذرت عشان نفسيتها مش هتساعدها.. الأم صممت وقالت: (أبدًا، والله ما يعدي اليوم اللي دموعك نزلت فيه غير وضحكتك على وشك).. خرجوا وانبسطوا واتكررت الخروجة هي هي لمدة 5 أيام متواصلة، وكان ده له دور في نسيان "نيرمين" للي حصل عشان حست إن "بلال" أفندي مش نهاية العالم وإن في ضهرها أم مفيش زيها.. طب و"محمد"؟.. والدته صالحته تاني يوم على طول لما راحتله مكتبه وفهمته وجهة نظرها بالراحة وبهدوء وإنها كده كانت بتحافظ على أخته في لحظة حاسمة كان ممكن نتيجتها تكون عكسية.. علاقة "محمد" بـ "نيرمين" حاليا أكتر من مثالية، وفي محيط كل أصدقائنا بيحكوا الموقف ده اللي غير وجهة نظرهم في حاجات كتير في الحياة، وبالأخص في والدتهم.
عظيم إن يكون عندك نصيحة تقولها لغيرك مبنية في الأساس على خوفك عليه ومحبتك له.. بس الأهم هو ضرورة معرفتك إن نصيحتك مش فرض على الطرف التاني مجبر ينفذها، ولو هو اختار غير كلامك، واختار تجربته ده مش عِناد فيك ولا تقليل منك.. أنت مابتشتريش إرادة غيرك بنصيحتك لإن امتحان العلاقة الحقيقي مش إن اختياره يطلع غلط، ولا إن كلامك يطلع صح.. امتحانها إن قلبك يفضل مفتوح له بعد ما يغلط.. الوجع لما بيحصل بيكون محتاج حضن، مش محكمة.. بيكون محتاج كتف، مش "شوفت مش أنا قولتلك".. عُمرك ما هتبقى إنسان سوي غير لما تفهم إن الاحتواء أعمق من أي نصيحة، وإن الناس ما بتخفش بالكلام.. الناس بتخف بالاستيعاب، والتفويت، والتقدير، وإنهم يلاقوا بابك مفتوح دون تأنيب.


