الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

السياحة المستدامة.. كيف تربح الدول دون تدمير مواردها؟

الجمعة 28/نوفمبر/2025 - 07:08 م

تُعدّ السياحة واحدة من أهم أعمدة الاقتصاد في مئات الدول حول العالم، فهي تخلق فرص عمل، وتُدخل عملة صعبة، وتنشط قطاعات أخرى مثل النقل والطيران والضيافة والصناعات اليدوية، لكن هذه القوة الاقتصادية تحمل معها تحديًا خطيرًا: كيف تستفيد الدول من السياحة دون أن تستهلك مواردها الطبيعية أو تشوّه هويتها الثقافية؟

هذا السؤال هو أساس مفهوم السياحة المستدامة، وهو مفهوم اقتصادي وإداري يهدف إلى الجمع بين الربح والحفاظ، فالدول لم تعد تسعى لجذب ملايين السائحين بأي ثمن، بل باتت تسعى لجذب النوع الصحيح من السياحة، بالعدد المناسب، وبالطريقة التي تحقق أرباحًا طويلة المدى بدلًا من أرباح قصيرة تدمّر البيئة ثم تجبر الدولة على دفع ثمن الإصلاح في المستقبل.

لماذا ظهرت الحاجة إلى السياحة المستدامة؟

خلال العقود الماضية، شهدت مناطق سياحية كثيرة انهيارًا بيئيًا وثقافيًا بسبب الازدحام المفرط، مثل الشواطئ التي فقدت لونها الفيروزي، والجزر التي تآكلت شواطئها بسبب التلوث، والمدن التاريخية تحوّلت إلى "مسرح تجاري" يبيع التراث بدلًا من الحفاظ عليه.

هذه الظواهر جعلت الدول تفهم درسًا مهمًا: إذا دُمّرت الموارد، دُمّر معها الاقتصاد السياحي بالكامل، ومن هنا بدأت الدول تتحرك نحو نماذج جديدة توازن بين “الدخل الفوري” و“الحفاظ على المكان”.

إدارة أعداد السائحين بذكاء

ربما يبدو غريبًا أن دولًا تضع “حدًا أقصى” لعدد الزائرين، لكن هذه السياسة أصبحت من أهم قواعد السياحة المستدامة.
الفكرة ليست تقليل الربح، بل منع الإفراط الذي يؤدي إلى انهيار المنتج السياحي نفسه.

أمثلة على إدارة أعداد السائحين بذكاء: 

  • بعض الجزر لا تسمح إلا بعدد محدود يوميًا.
  • بعض المواقع الأثرية تُطبق نظام الحجز المسبق للسيطرة على التدفق.
  • بعض الشواطئ تغلق تمامًا أيامًا معينة لإعادة تجديد النظام البيئي.

هذه الإجراءات أثبتت أن الحد من الضغط البيئي يحافظ على جودة المكان وبالتالي يثبت السياحة ويزيد ربحها على المدى الطويل.

إشراك المجتمع المحلي في الاستفادة

السياحة المستدامة ليست “بيئة فقط”، بل “اقتصاد عادل” أيضًا، وإحدى أهم مشاكل السياحة التقليدية أن الأرباح تذهب غالبًا للفنادق الكبرى والعلامات العالمية، بينما يعيش أهل المنطقة في عزلة عن العوائد، لكن السياحة المستدامة تغيّر المعادلة تمامًا. فهي تدعم:

المشاريع المحلية الصغيرة، الحرفيين، الإرشاد السياحي من أبناء المنطقة، المنتجات التقليدية، المطاعم والأكواخ المحلية بدلًا من السلاسل العالمية، هذا الدمج يجعل السكان جزءًا من المنظومة، ويعزز ولاءهم لحماية المكان بدلًا من استغلاله بأشكال ضارة، أو بمعنى آخر، عندما يكسب أهل المنطقة… يكسب المكان، ويكسب السائح، وتكسب الدولة.

تقليل البصمة البيئية

جزء كبير من السياحة المستدامة يتعلق بتقليل الأثر البيئي للسائح والمشروعات السياحية. لهذا بدأت دول كثيرة في:

  • استخدام الطاقة الشمسية في المنتجعات
  • إنشاء أنظمة صارمة لإدارة المخلفات
  • توفير وسائل نقل صديقة للبيئة
  • فرض ضرائب بيئية تُستخدم لتحسين المحميات
  • فرض تعليمات إلزامية للسائحين بعدم المساس بالكائنات البحرية أو البرية

هذا النوع من الإدارة يقلّل التلوث ويمنع استنزاف الموارد، ويضمن أن المكان يمكنه استقبال زوار جدد عامًا بعد عام.

هل يمكن للدول أن تربح دون تدمير مواردها؟

الإجابة ليست “نعم” بل هذا هو الطريق الوحيد للربح الحقيقي. والصحيح، الاقتصاد السياحي القائم على التدمير يشبه من يحرق أثاث البيت ليدفأ ليوم واحد… وبعدها يجد نفسه بلا بيت، بينما الدول التي اتجهت للسياحة المستدامة بدأت تحقق مكاسب ضخمة دون ضرر، مثل دولة كوستاريكا مثلًا رفعت نصيب السياحة إلى أكثر من 80% من دخل بعض المناطق دون بناء منتجعات ضخمة، بل بالاعتماد على الطبيعة والمحميات، ونيوزيلندا كذلك فرضت قواعد صارمة للحفاظ على الجبال والغابات، فأصبحت واحدة من أنجح الوجهات في العالم.

السائحين يدفعون المال مقابل الجمال والموارد… فإذا اختفت الموارد والجمال، اختفى السائح.

تابع مواقعنا