ثقافة الانتخابات.. صوت يصنع الفارق
تمثل الانتخابات، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو نقابية أو حتى داخل الأندية الرياضية والاجتماعية؛ الركيزة الأساسية لأي مجتمع يسعى إلى ترسيخ المشاركة والمسؤولية، ورغم اختلاف أشكالها ومستوياتها تبقى الفكرة الجوهرية واحدة والتي تكمن في أن “صوتك يفرق”.
فالمواطن ليس مجرد رقم في كشوف الناخبين بل هو شريك أساسي وحقيقي في تشكيل مستقبل المؤسسة أو الكيان الذي يُنتخب له، وبنفس القدر فإن عزوفه يخلق فراغًا يسمح بمرور اختيارات ربما لا تعبّر عنه لكنه هو من يتحمل تبعاتها في النهاية.
إنني هنا أطرح تساؤلات مشروعة: هل يدرك المواطن خطورة صوته؟ هل فقد ثقته في النتائج؟ أم أن ثقافة الانتخاب نفسها ضعيفة أو منعدمة لدى شرائح واسعة؟
الحقيقة أن ثقافة المشاركة ليست مجرد قرار لحظي بل هي سلوك اجتماعي يتشكل عبر سنوات، ويتأثر بالتجارب السابقة وبمستوى الشفافية وبحجم الإيمان بجدوى المشاركة، وبعض المواطنين قد يشعرون بأن صوتهم غير مؤثر أو أن النتائج محسومة مسبقًا فيميلون إلى الابتعاد. بينما يرى آخرون أن المشاركة واجبة حتى وإن اختلفت النتائج مع توقعاتهم ورغباتهم إن وجدت!!
ويظل السؤال الأهم: كيف نُعزّز ثقافة الانتخاب في مصر؟
التوعية الحقيقية تبدأ من المدرسة والجامعة مرورًا بالمؤسسات الإعلامية، وصولًا إلى المجتمع المدني. إن المطلوب ليس فقط تشجيع المواطن على الذهاب إلى صندوق الانتخاب بل تقديم شرح مبسط لأدوار المجالس المنتخبة وأهمية الاختيار الواعي وكيف يمكن للصوت الواحد أن يُغيّر معادلة، كما أن التدريب على الممارسة الديمقراطية داخل النقابات والمراكز الشبابية وقصور الثقافة والجامعات يخلق جيلًا معتادًا على المشاركة وليس خائفًا منها.
ومن الظواهر التي تركت أثرًا سلبيًا في المجتمع، تلك المرتبطة بـ فكرة “زجاجة الزيت مقابل الصوت”، وهي صورة رُسِخَت لسنوات في الذهنية الشعبية، رغم أن الممارسات الانتخابية تطورت وتغيّرت كثيرًا، فإنها ما زالت حاضرة لأن الذاكرة الجمعية لا تُمحى بسهولة، ولأن بعض التجارب الفردية السلبية أعادت إنتاج هذا التصور. مواجهة هذه الفكرة لا تكون بالإنكار بل بالشفافية والرقابة كما جاء في خطاب الرئيس السيسي في هذا الصدد وما ترتب على ذلك من قرارات حاسمة.
أما عن دور الدولة فالتوعية الانتخابية هي بلا شك مسؤولية مشتركة بين الدولة، والمجتمع المدني والإعلام والمؤسسات التعليمية، قد تبذل الجهات الرسمية جهودًا في توضيح الإجراءات والدعوة للمشاركة، لكن يبقى المطلوب أوسع وأعمق خاصة فيما يتعلق ببناء الثقة وتعزيز الإيمان بأن “الصوت حق ومسؤولية”.
في النهاية، ثقافة الانتخاب ليست رفاهية بل هي عنوان لمجتمع يعي أن مستقبله يُصنع بالصندوق وأن الامتناع عن المشاركة قرار سلبي يضيع حق صاحبه.


