وداعًا الحاجة سبيلة عجيزة.. أيقونة عطاء بدأت من القرية ووصلت إلى قصر الرئاسة | بروفايل
في قرية صغيرة هادئة بمحافظة الدقهلية، لم تكن الحاجة سبيلة علي أحمد عجيزة تتخيل يومًا أن اسمها سيتجاوز حدود قرية ميت العامل، أو أن قصتها ستصبح واحدة من أبرز حكايات العطاء في مصر، ورغم الحياة البسيطة التي عاشتها على مدى عقود، فإن قرارها التبرع بثروتها ومشغولاتها الذهبية لصندوق "تحيا مصر" قبل 7 سنوات تقريبًا جعل منها رمزًا استثنائيًا للوفاء والانتماء، إلا أنها رحلت عن عالمنا منذ قليل، كما أعلنت الصفحة الرسمية لصندوق تحيا مصر.
وُلدت الحاجة سبيلة في 15 أبريل 1939 بقرية ميت العامل التابعة لمركز أجا بالدقهلية، ونشأت في بيئة ريفية متواضعة، عرفت فيها قيمة العمل، والصبر، والاعتماد على النفس، ثم تزوجت من الراحل محمد رسلان حمودة، الذي توفي عام 1996، وشكلا معًا قصة كفاح بدأت في خمسينيات القرن الماضي مع تجارة بسيطة في المحاصيل الزراعية.

في المنزل المتواضع الذي جمعهما لسنوات، ساهما معًا في تربية خمسة أبناء:
حمودة – مهندس زراعي بالإدارة الزراعية بأجا
جلال – فني آلات زراعية بمحطة أجا للهندسة
أحمد – فني صيانة بالوحدة المحلية بميت العامل
طارق – صاحب مكتب استيراد وتصدير
إيمان – ربة منزل
ووفقًا لحوار سابق لـ الحاجة سبيلة، فإنها كانت تحلم فقط بأن تُعلِّم أبناءها وأن تمنحهم ما حُرمت منه هي “التعليم”، ورغم أنها لم تُكمل دراستها، فإنها ظلت تتذكر دروسها الأولى وجدول الضرب الذي حفظته بصوت طفولتها، وكانت نموذجًا للأم المصرية القوية، تستيقظ فجرًا، تصلي، تستمع لنشرات الأخبار، وتتابع خطابات الرئيس، تتصل بأبنائها وأحفادها واحدًا تلو الآخر، حتى من هم خارج مصر، مثل حفيدتها في الإمارات.

وفي شرفة منزلها المطل على أول القرية، كان المارة يلقون السلام عليها يوميًا، ينظر إليها أهل القرية كـ"كبيرة البلد" و"سفيرتهم للتاريخ"، وهي التي لم تتردد يومًا في تقديم النصيحة، أو تخفيف هموم الآخرين بحكمة عمرٍ طويل، وخاصة بعدما بلغ عطاء الحاجة سبيلة ذروته حين قررت – في سن السادسة والسبعين – التبرع بثروتها ومشغولاتها الذهبية لصندوق "تحيا مصر"، إيمانًا منها بضرورة مساندة بلدها، وحينها طلبت مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتم تحديد اللقاء في 22 مارس بالتزامن مع احتفالات عيد الأم، وجلست معه، وقدمت تبرعها بنفس راضية، معتبرة اللقاء تكريمًا لا يُنسى.

وكانت سبيلة تُردد دائمًا أنها "لا تريد شيئًا إلا أن تكون مصر بخير"، وأن ما قدمته هو "جزء بسيط أمام ما قدمته الدولة للمواطنين"، ولم يكن عطاؤها موقفًا عابرًا؛ فقد ربّت أبناءها وأحفادها على القيم نفسها، وكانت فخورة حين أخبرتها إحدى حفيداتها أنها أقنعت صديقاتها بالتبرع بجزء من مصروفهن لصندوق تحيا مصر.
ورحلت اليوم، الحاجة سبيلة تاركة خلفها قصة إنسانية لا تُنسى، وقلبًا ظل يخفق لمصر حتى اللحظة الأخيرة، ونعاها صندوق تحيا مصر بكلمات تليق بعطائها، مؤكدًا أنها كانت نموذجًا مشرفًا للمرأة التي تجسد قيم الرحمة والتراحم في أبهى صورها، لتبقى سيرتها شاهدًا على أن العطاء لا يُقاس بحجم ما نملك، بل بحجم ما نقدمه بإخلاص.



