قانون التجنيد يعمق أزمة الجيش الإسرائيلي.. نقص خطير في الضباط والمقاتلين يهدد منظومة الردع بتل أبيب
تواصل لجنة الخارجية والأمن في الكنيست مناقشتها بشأن قانون الإعفاء من التجنيد الذي يقوده عضو الكنيست بوعز بيسموت، في لحظة حساسة يواجه فيها الجيش الإسرائيلي أزمة غير مسبوقة في القوة البشرية، سواء في صفوف الضباط أو المقاتلين أو الاحتياط، وبينما يعرض ممثلو شعبة القوى البشرية موقف الجيش الرافض للصيغة الحالية، تتصاعد مخاوف عميقة من تأثير هذه الأزمة على الأمن القومي الإسرائيلي وسط حسابات سياسية معقدة داخل الائتلاف.
أزمة القوة البشرية.. أرقام تعكس حالة تأهب خطيرة
الأزمة لم تعد مقتصرة على نقص المقاتلين، بل امتدت إلى قيادات الصف الأول والثاني في الوحدات القتالية، فالجيش الإسرائيلي يعاني نقصا يقدر بنحو 1،300 ضابط من رتبة ملازم حتى نقيب في كل الوحدات القتالية، إضافة إلى نحو 300 ضابط من رتبة رائد.
هذا الخلل البنيوي يعني أن وحدات كاملة تعمل اليوم بقيادة غير مكتملة، ما يضعف القدرة العملياتية في التدريب الميداني وفي إدارة العمليات الحقيقية.
ويضاف إلى ذلك أن 30% من كبار القادة العسكريين سيغادرون الجيش بدءًا من العام المقبل، ما يخلق فراغًا في الخبرة والقيادة يصعب تعويضها، خاصة في ظل تراجع الرغبة في مواصلة الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي المحتل.
أزمة الاحتياط.. تآكل في العمود الفقري لمنظومة الردع الإسرائيلي
ويعتمد الجيش الإسرائيلي على قوات الاحتياط كركيزة أساسية في أي مواجهة واسعة، لكن حسب تقديرات الجيش، قد يمتنع 30% من جنود الاحتياط والعاملين في الخدمة الدائمة عن الالتحاق بوحداتهم خلال العام المقبل.
هذا التراجع مرتبط بأمور مهنية ونفسية ومعيشية، فنحو 70% من عائلات جنود الاحتياط تعيش أزمة فعلية بسبب طول فترات الخدمة، في حين يحول الضغط الاجتماعي والاقتصادي الخدمة الاحتياطية من "واجب وطني" إلى عبء ثقيل يهدد الاستقرار الأسري.
هذه المؤشرات تعني أن قدرة الجيش على تعبئة قوات كافية في حالة الطوارئ باتت موضع شك.
تراجع الاستعداد للخدمة.. أزمة ثقة داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية
إحدى الإشارات الأخطر تتمثل في انخفاض نسبة الضباط المستعدين لمواصلة خدمتهم العسكرية من 58% في عام 2018 إلى 37% فقط العام الحالي.
هذا الانخفاض الحاد يشير إلى أزمة داخلية عميقة في الروح المعنوية لدى القيادات الشابة، ويعكس شعورًا متزايدًا بأن عبء الخدمة لا يتوزع بعدالة، وأن الأفق المهني داخل الجيش المحتل أصبح أقل جاذبية.
قانون التجنيد.. مشروع يعمق الفجوة بدل حلها
في هذه الظروف، يقدّم الجيش الإسرائيلي موقفا واضحا أن الصيغة الحالية للقانون لا تلبي الاحتياجات التشغيلية، لأنها تفرض سقفًا عدديًا للتجنيد من دون تحديد نسبة للمقاتلين.
وبما أن الجيش يحتاج إضافة عاجلة من الضباط والمقاتلين، فإن تجنيد مجندين لا يتوجهون إلى الوحدات القتالية لن يسهم في سد الفجوة الحالية، بل قد يؤدي إلى تعزيز انعدام الثقة داخل صفوف القوات النظامية والاحتياط.
البعد السياسي.. صراع بين الضرورة الأمنية وبقاء الائتلاف الحاكم
ترتبط الصيغة المقترحة للتجنيد مباشرة بالتوازنات داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل حيث تعتبر الأحزاب الحريدية أن الإعفاء من التجنيد جزء أساسي من هويتها السياسية والدينية.
في المقابل، يكشف الجيش بالأرقام أن تأجيل التجنيد أو تقييده من دون إدخال الحريديم في الوحدات القتالية يفاقم أزمة تمس الأمن القومي الصهيوني، وهكذا يجد صانع القرار نفسه أمام معادلة معقدة داخل دولة الكيان، تلبية مطلب الائتلاف الديني، أم تلبية احتياجات الجيش الصهيوني في لحظة حرجة من تراجع الجاهزية؟
المشهد العام.. تهديد مباشر للجاهزية العسكرية والاستقرار الاجتماعي الصهيوني
جملة المعطيات التي قدمها الجيش حول الضباط والمقاتلين والاحتياط تشير بوضوح إلى أزمة بنيوية غير مسبوقة، وفي ظل هذه الصورة، يصبح قانون التجنيد المقترح ملفًا أكبر بكثير من مجرد نقاش حول المساواة، بل أزمة تمس قدرة الجيش المحتل على إدارة حرب طويلة، جودة القيادة العسكرية، جاهزية الاحتياط، وتماسك الجبهة الداخلية.
فالجيش الإسرائيلي المحتل يقف أمام أزمة حقيقية تتقاطع فيها أزمة الضباط والمقاتلين مع تراجع الاحتياط واستنزاف العائلات، فيما يستمر الجدل السياسي حول قانون التجنيد دون استجابة فعلية للاحتياجات العسكرية الميدانية.
هذه اللحظة تكشف فجوة متسعة بين متطلبات الأمن القومي الصهيوني وحسابات الائتلاف المتطرف، وتضع صناع القرار داخل دولة الكيان أمام امتحان استراتيجي صعب، إما معالجة جذور الأزمة، أو مواجهة تراجع خطير في جاهزية الجيش خلال السنوات القريبة المقبلة.



